ومقدارا من قرارها كذلك ولا يملك ما تجاوز عن ذينك الحدين، فلا يكون حراما بل هو مباح محض، وعلى التقديرين ليس الا حكم واحد وحيث إن المختار كما مر ان قاعدة لا ضرر، لا تشمل عدم الحكم، ولا تكون مثبتة للحكم، فليس في الأمثلة المذكورة في كتب القوم لتعارض الضررين، مورد يتم فيه ما أفادوه، ويتعارض قاعدة لا ضرر الجارية، في أحد الطرفين مع الجارية في الطرف الآخر.
وعليك تطبيق الضابط الذي ذكرناه على الأمثلة المذكورة في الكلمات، مثلا في حفر بئر قريب من بئر الجار الموجب لعدم جذب بئر الجار ما في عروق الأرض من المياه، يكون ذلك جائزا غير محرم كما هو المشهور بين الأصحاب، وفى حفر بئر كنيف أو بالوعة بقرب بئر ماء الجار، ان لم يوجب ذلك تغير ماء البئر ولكن كان الجار يستقذر ماء بئره لقربه من الكنيف أو البالوعة، أو أوجب تغيير الماء ولكن كان من قبيل المعد لا العلة التامة بان تمكن الجار من احكام جدار الماء بنحو لا يتغير ما بئره، جاز الحفر ولم يكن حراما، وأما إذا كان بنحو العلة التامة أي الجزء الأخير منها لم يجز، ولم يكن ذلك مباحا، وهكذا ساير الأمثلة، وعلى الجملة ليس المقام من باب التعارض بين فردين من القاعدة في شئ، بل بما ذكرناه يظهر انه لا يتعارض قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر في مورد فإنه إذا أوجب التصرف تضرر الغير لم يجز ولم يكن مورد القاعدة السلطنة، وعليه فلا مورد للبحث فيما يقتضيه قواعد باب التعارض، وقد خرجنا بما ذكرناه عما يقتضيه الأدب بالنسبة إلى علماء الاسلام والله تعالى مقيل العثرات.
وبما ذكرناه يظهر الحال في المورد الثاني، أي الضمان، فإنه إذا أوجب تصرف المالك في ماله اتلاف مال الغير، واستند الاتلاف إليه، كان ضامنا قطعا ولا مورد لأعمال قاعدة لا ضرر، لأن الضمان حكم مبنى على الضرر فهو خارج عن مورد الحديث، ولا يشمله حديث لا ضرر كما مر، والا كما في حفر البئر قريبا من بئره أعمق منها الموجب لجذب المياه الموجودة في عروق الأرض، فلا ضمان، لما حقق في محله من انحصار سبب ضمان الغرامة بالاتلاف، واليد، والاستيفاء.