الأول: ان دليل حكم ذلك الفعل، كدليل وجوب الوضوء، انما يدل باطلاقه بالدلالة المطابقية على أنه واجب حتى في حال الضرر، وبالدلالة الالتزامية يدل على أنه ذو ملاك في تلك الحال، وحديث لا ضرر انما يوجب تقييد ذلك الدليل من الناحية الأولى أي من حيث دلالته على الوجوب، واما دلالته على كونه واجدا للملاك فلا مقيد له، إذ لو كان للكلام دلالات وظهورات سقط بعضها عن الحجية لا موجب لسقوط غيره، فلو اتى بالوضوء بداع الملاك صح.
وفيه: ان التمسك بالاطلاق فرع كون الكلام مسوقا للبيان، وأدلة الأحكام سيقت لبيان الأحكام، لا الملاكات غاية الامر بالبرهان العقلي يستكشف من وجود الحكم وجود الملاك، فإذا قيد الحكم لا كاشف عن وجود الملاك أيضا.
الثاني: ان حديث لا ضرر انما ينفى اللزوم لا الجواز - وان شئت قلت - انه بناءا على كون الاختلاف بين الوجوب والاستحباب من ناحية الترخيص في الترك وعدمه، دليل نفى الضرر يرفع الوجوب، ويقتضي الترخيص، كما أنه بناءا على كون الوجوب مركبا من طلب الفعل من المنع من الترك الحديث انما يرفع القيد الثاني، فالوضوء حينئذ مطلوب ويصح لذلك.
وفيه: ان الوجوب كما حقق في محله ليس مركبا بل هو بسيط، كما أنه قد تقدم ان الحديث لا يثبت الحكم فإنه ناف لا مثبت، وأيضا هو ينفى الحكم الشرعي دون الأحكام العقلية، - وعليه - فلا معنى لنفى اللزوم وبقاء الجواز بمعنى نفى أحد الضدين وبقاء الاخر، أو نفى الحكم العقلي.
الثالث: وهو يختص بالمستحب، وما هو من قبيل الوضوء، وهو ان حديث لا ضرر، بما انه وارد في مقام الامتنان، فلا يصلح ان يكون رافعا للاستحباب إذ لا كلفة في وضعه كي يرفعه، وانما يرفع التكاليف اللزومية، وعليه فبما ان الوضوء مع قطع النظر عن وجوبه الغيري، مستحب نفسي على الأظهر، ومستحب غيري على المسلك المشهور بين الأصحاب، من أن المطلوب النفسي هو الكون على الطهارة الحاصل من الوضوء، فالامر اللزومي المتعلق به وان كان منفيا بالحديث، الا ان امره الاستحبابي يكون باقيا، فيصح