لا بد من تأويلهما. أصف إلى ذلك أن الرويات الدالة على ترتب العقاب ما بين ما هو ضعيف السند وما هو قاصر الدلالة، راجع الوسائل أبواب مقدمات العبادات.
التنبيه الثاني: هل المتجرى يكون فاسقا، أم لا؟ أم يفصل بين التجري في الكبائر، وبين التجري في الصغائر، والأول يوجب الفسق دون الثاني.
والحق يقتضى ان يقال انه ان فسرنا العدالة، بملكة باعثة على فعل الواجبات وترك المحرمات مطلقا، يكون المتجرى فاسقا مطلقا، لأنه به يستكشف عدم الملكة، وانه لا رادع له عن المعصية، كما أنه ان فسرناها بملكة باعثة على عدم مخالفة المولى في الكبائر تعين التفصيل المزبور، وان فسرناها بفعل الواجبات وترك المحرمات لم يكن المتجرى فاسقا لأنه لم يرتكب الحرام.
التنبيه الثالث: أفاد صاحب الفصول (ره) ان قبح التجري لا يكون ذاتيا، بل يختلف بالوجوه والاعتبار ولذلك تقع المزاحمة بين محبوبية الفعل في الواقع، إذا قطع بحرمة ما هو واجب واقعا، فربما يتساويان، وربما يكون ملاك الوجوب أقوى، فالتجري حينئذ مضافا إلى عدم قبحه يكون حسنا، وربما يكون ملاك قبح التجري أقوى فيكون قبيحا.
والحق ان يقال انه تارة يقع البحث فيما افاده على القول بعدم حرمة الفعل المتجرى به وكونه فقط، وأخرى يقع البحث على القول بحرمته، اما على الأول فما بتوهم مزاحمته للقبح أمران - الأول - حسن الفعل ان كان واجبا - الثاني - وجوبه، اما الأول: فهو لا يصح للمزاحمة: لان العنوان الحسن، أو القبيح، ما لم يلتفت إليه ولم يقصد، لا يوجب حسن الفعل أو قبحه، وحيث إن المتجرى لا يرى حسن الفعل فلا يقصد العنوان الحسن فلا يصلح ذلك لمنع تأثير ما يقتضى القبح وهو عنوان التجري والهتك.
واما الثاني: فلانه لا منافاة بين الوجوب الواقعي وقبح الفعل لدخوله تحت عنوان قبيح، والوجوب الواقعي لفرض عدم الالتفات لا يعقل ان يؤثر في رفع قبح الفعل.
واما على الثاني: فالظاهر تعارض الوجوب الواقعي والحرمة الثابتة بواسطة القطع بحرمته: لان متعلق الوجوب هو الفعل وهو أيضا متعلق للحرمة لانطباق العنوان المتعلق للحرمة عليه، فيلزم الضدين فيدخل في باب التعارض، ولبيان ما تقتضيه القاعدة