____________________
إذا دلت القرائن على صدقه، ولا ينافي هذا الجزم تجويز العقل خلافه نظرا إلى إمكانه، كما لا ينافي جزمنا بحياة زيد الذي غاب عنا لحظة تجويز موته فجأة، ولو اعتبرنا في العلم عدم تجويز النقيض عقلا لم يتحقق لنا علم قط بوجود شئ مما غاب عنا أو حضر عندنا، ويلزمنا الشك فيمن رأيناه الآن أهو الذي رأيناه قبل، أم عدم ذلك وهذا غيره أوجده الله على شكله؟ بل ربما تطرق الشك إلى الضروريات كما تزعمه الأشاعرة وهو سفسطة ظاهرة، ومن يتتبع كلام العرب ومواقع لفظ العلم في المحاورات جزم بأن إطلاق لفظ العلم على ما يحصل به الجزم عندهم حقيقة، وأنه كلي مقول على أفراده بالتشكيك، وأن تخصيصه باليقين فقط اصطلاح حادث لأهل المنطق دون أهل اللغة، لبناء اللغة على الظواهر دون هذه التدقيقات، وتحقق أن الظن لغة: هو الاعتقاد الراجح الذي لا جزم معه أصلا، وأهل اللغة هم الأصل في تعيين الألفاظ للمعاني، وليس هذا خاصا بلغة العرب بل كل اللغات كذلك. ومن عرف الفارسية وتأمل مواقع لفظ «ميدانم» الدال على معنى أعلم، «وگمان دارم» الدال على معنى أظن في لغة الفرس، ظهر له صحة ما قلناه. والعلم بهذا المعنى قد اعتبره الأصوليون والمتكلمون في إثبات كثير من قواعدهم كحجية الإجماع وغيره، وإن رابك شك فراجع الشرح العضدي وشرح المواقف ليظهر لك ذلك. وهذا الذي عناه القدماء بقولهم: لا يجوز العمل في الشريعة إلا بما يوجب العلم، يدلك على ذلك تعريف السيد المرتضى في الذريعة للعلم: بأنه ما اقتضى سكون النفس (1)، وهذا التعريف يشمل نوعي