____________________
وقال بعض المحققين من أصحابنا: وقد يفسر القضاء بمعنى العلم الملزوم، والإيجاد الواجب على وفقه، وهو أن القضاء عبارة عن إبداع الأول تعالى لصور الموجودات الكلية والجزئية، التي لا نهاية لها من حيث هي معقولة في العالم العقلي. ثم لما كان إيجاد ما يتعلق منها بمواد الأجسام في موادها، وإخراج المادة من القوة إلى الفعل، غير ممكن إلا على سبيل التعاقب، لامتناع قبول المادة الصور الكثيرة دفعة، وكان الجود الإلهي مقتضيا لإيجادها، ولتكميل المادة بإيداعها فيها، وإخراج ما فيها من قبول تلك الصورة من القوة إلى الفعل، قدر بلطيف حكمته وجود الزمان المديد، لتخرج فيه تلك الأمور من القوة إلى الفعل واحدا بعد واحد، فتصير في جميع ذلك الزمان موجودة في موادها، وتكون المادة كاملة بها. فالقدر عبارة عن وجود هذه الأشياء مفصلة (1) واحدا بعد واحد في موادها السفلية الخارجية، بعد أن كانت مقدرة في صحائفها العلوية، كما قال تعالى: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (2). والقضاء بالمعنى المذكور لا ينافي اختيار العبد وحسن تكليفه وثوابه وعقابه، لأن معنى الاختيار أن يكون للعبد قوة فاعلية صالحة للفعل والترك يقال لها: القدرة، وقوة أخرى علمية مدركة للنفع والضرر والآفة والشر في جانبي ما يقدر عليه، وقوة أخرى إرادية باعثة تطيعها القوة المسماة بالقدرة، بحيث متى انبعثت الإرادة لفعل أو تزك، بحسب ما أدركته النفس بقوتها الإدراكية، أطاعتها تلك القوة ففعلت أو تركت. وذلك أمر لا ينافي علم الله تعالى بما يقع أو لا يقع من الطرفين. فإن حصل وجوب بعد تصور نفع