فالله تعالى جعل طرقا كثيرة للمؤمنين على الكافرين في التكوين، ولم يجعل ولن يجعل للكافرين على المؤمنين طريقا وسبيلا; إذ لم يؤيدهم بتأييد صوري أو معنوي يوجب تقويتهم وغلبتهم، فهذه التأييدات والسبل أمور زائدة على ما هو المشترك بين طوائف البشر; من إعطاء العقل، والقوة، والقدرة.
فعلى هذا، يصح أن يقال: لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا في التكوين، بل جعل لهم عليهم سبيلا بل طرقا وسبلا، وكذا لم يجعل طريقا لهم على المؤمنين في الاحتجاج; فإن كتاب المؤمنين كتاب (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) بل حجة المؤمنين حجة ظاهرة قوية.
وأما في التشريع; فلأنه لن يجعل الله للكافرين سلطة اعتبارية على المؤمنين، مثل جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليا وسلطانا على الناس، ومن بعده خلفاءه المعصومين عليهم الصلاة والسلام، ومن بعدهم «العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه» فهذا أيضا طريق وسبيل لن يجعله لهم عليهم، كما أن الحجة للمؤمنين على الكافرين في القيامة.
فتحصل من ذلك: أن نفي السبيل مطلقا لازمه نفي جميع السبل تكوينا وتشريعا، فلم يكن الأمر دائرا بين أحد المعاني، كما يظهر من المفسرين وغيرهم (1).
هذا مع الغض عن صدر الآية، وأما مع ملاحظته وهو قوله تعالى:
(الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله...) (2) إلى آخره.