فما قيل: من أن العدالة على فرض اعتبارها، لا تكون كعدالة المفتي والقاضي موضوعيا (1)، غير ظاهر بحسب مقتضى الأدلة.
إنما الشأن في دلالة الآيتين; فإن غاية تقريب آية الركون هو ما أشرنا إليه: من أن الركون إلى الظالم ذو مفسدة ملزمة، وقبح عقلي مستكشف منها، وارتكاب القبيح محال عليه تعالى شأنه، فيجعل هذا كبرى لصغرى «هي أن جعل الولاية للظالم ركون إليه» فينتج: «أن جعلها له محال عليه تعالى».
وفيه: أن ذلك قياس فعل الباري المتعال بأفعال المكلفين، مع أنه مع الفارق جدا; فإن أفعاله تعالى موافقة لصلاح النظام الكلي التكويني، لا النظام التشريعي المحدود، كما أن جعله التشريعي لا بد وأن يوافق صلاح نظام التشريع العام، وهما مما لا تحيط به العقول المحدودة.
ولهذا ترى أنه تعالى نهى عن التعاون (على الإثم والعدوان) ومع ذلك فجميع أسباب الإثم والعدوان موجودة بإرادته وفعله، ولا شبهة في وجوب حفظ نفس المؤمن علينا، وهو تعالى قادر على حفظها ولم يحفظها، بل وكل ملك الموت بإماتتها.
فما قيل: من أن النهي عن الركون إلى الظالم لازمه العقلي عدم ركون الآمر إليه (2)، أو قيل: بأن قوله تعالى: (لم تقولون ما لا تفعلون) (3) لازمه عدم ركون القائل (4)، غير صحيح، وقياس لفعله بفعلنا، وهو باطل.
هذا مع إمكان دعوى ظهور الآية الكريمة في الركون إلى ولاة الجور;