كان مظهرا للإرادة السابقة، لا يعقل أن يبقى على مظهريته، فلا بد من إرادة أخرى، وبناء آخر، وتعهد آخر، وإظهارها حتى يرتبط القبول به، هذا بالنسبة إلى رد الموجب.
وأما رد القابل، فلا يصلح لإسقاط إرادة الموجب، ولا قراره وبنائه، ولا تعهده; لأن لها مبادئ خاصة، ما دامت باقية تبقى بوجود علتها ومبادئها.
نعم، لو رد القابل وأيس الموجب من قبوله، سقطت المعاليل; لسقوط عللها ومبادئها، لكن لو رد ثم عدل قبل سقوطها، تم نصاب العقد، وارتبطت الإرادة والقرار والتعهد بنظائرها في الموجب.
هذا، لكن المباني كلها غير مرضية، ولا يوافقها عرف، ولا عقل، ولا لغة:
أما حديث الإرادة المظهرة والبناء القلبي، فتصوره يغني في الحكم بالفساد.
وأما حديث التعهد فقد يقال إن قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) معناه وجوب الوفاء بالعهد، والعقد هو معاقدة الطرفين، ومع فقد تعهد أحدهما لا تتحقق المعاهدة والمعاقدة (1).
وفيه: أن العقد لو كان بمعنى العهد، والتعاقد لو كان بمعنى التعاهد، فلا بد من الالتزام بخروج البيع ونحوه منه; ضرورة أن البيع - عرفا ولغة - عبارة عن مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بالعوض، وعناوين العهدة والالتزام خارجة عنه، فلا يقال لمن باع خبزا بدرهم: «إنه عاهده، وهما تعاهدا على كون الخبز في مقابل الدرهم».
بل العرف والعقلاء يدركون عناوين المعاملات، ويغفلون عن التعاهد