إلى أن قال:
" فالنبي (ص) يمثل الكمال كله. وعلى هذا، فإن إحساس البشر بالجوع لا يعني نقصا فيه، وليس هناك فرق بين الجوع إلى الطعام، وبين الجوع إلى الحنان. فنحن نعيش الجوع إلى الحنان كما نعيش الجوع إلى الطعام. فهل هناك نقص في النبي (ص) عندما يحس بالجوع، إن كان جوعا للحنان، أو للطعام؟ .. الخ " (1).
ونقول:
إنه ليس في كلام النبي (ص)، ما يشير إلى وجود هذا الجوع إلى الحنان في داخل نفسه كما ينسبه إليه هذا البعض. وإذا صح قياس الجوع إلى الحنان على الجوع للطعام، صح أيضا قياسه على الجوع الجنسي أيضا. فهل يصح أن يقال: إن عزوبة النبي التي استمرت سنوات، قد أوجدت عنده جوعا جنسيا يحتاج إلى تعويض؟ ! ثم يفسر تعدد زوجاته (ص) على هذا الأساس؟! وهل إن النبي (ص) قد بقي جائعا إلى الحنان ما يقرب من خمسين سنة، حتى أصبح جوعا (مزمنا) يكتوي (ص) بناره، وفراغا مستمرا، لا يجد ما يدفع غائلته، أو يدفع عنه؟
إننا نقول:
إنه لا يصح قياس الجوع إلى الحنان على الجوع إلى الطعام. فلو افترضنا أن النبي (ص) قد احتاج في طفولته إلى العطف، فذلك لا يعني أن تستمر حاجته إليه إلى ما بعد خمسين سنة، ولا أن يكون لديه فراغ عاطفي يحتاج إلى ملء وتعويض، وذلك لأن بعض الأمور تفقد مبرراتها ومواقعها ومقتضياتها، ولا يبقى لها مجال، فتزول وتتلاشى. فمن حرم في طفولته من الرضاعة فإنه لا يعوض عنها برضاعه بعد خمسين سنة بحيث يحتاج إلى أم يلتقم ثديها، ويرتضع من لبنها.
ولا ندري لماذا يقيس هذا البعض الحاجة إلى الحنان في الطفولة على الحاجة للأكل والشرب، ولا يقيسها على الحاجة إلى الرضاعة، فإنها بها أنسب وإليها أقرب. فإن الكلام هو عن حاجات الطفولة، وليس الكلام عن وسائل بقاء الحياة واستمرارها. وهل إذا كان الطفل يحتاج في حال طفولته إلى ثوب يلبسه ولم يحصل له ذلك، فهل يبقى بعد خمسين سنة بحاجة إلى لبس نفس