في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا، قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: ولم؟ قال: هكذا جاء. فقال أبو الحسن: وهكذا جاء هذا.
وهذا الذي أراد أهل البيت أن يؤكدوه، وهو أن دين الله لا يصاب بالعقول، لأن العقول تدرك بعض الأمور ولكنها قد تغفل عن إدراك البعض الآخر مما يوحي بأن الحكم الشرعي لم يستكمل ملاكه بشكل دقيق وهذا ما نلاحظه في اختلاف الحكم في بعض الموارد المتشابهة في أكثر من وجه كما في الصلاة والصوم اللذين تجمعهما الناحية العبادية، ولكن حكمهما في القضاء مختلف، وهكذا أمر الله في كتابه بالطلاق وأكد فيه شاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين، وأمر في كتابه بالتزويج وأهمله بلا شهود.
وربما نستفيد من الحديث الأول الذي يؤكد عدم الحاجة إلى القياس لوفاء الكتاب والسنة بجميع الأحكام، أن الأمر لو لم يكن كذلك بحيث كانت هناك حاجة ملحة إلى معرفة الحكم الشرعي لبعض الأمور ولم يكن لدينا طريق إلى معرفته من الكتاب أو السنة، فإن من الممكن أن نلجأ إلى القياس أو نحوه من الطرق الظنية في حال الإنسداد انطلاقا من أن الاعتماد على الطرق الظنية العقلائية أو الشرعية كان مرتكزا على الحاجة إليها لإدارة الشؤون العامة للناس بحيث لولاها لاختل نظام حياتهم لأن العلم وحده لا يكفي في ذلك، ولكننا قد لا نحتاج إلى ذلك لأن في القواعد العامة كفاية، ولأن في توسعة الاستظهار بإلغاء الخصوصية التي تجمد الحكم في مورد خاص من جهة الفهم العرفي الذي لا يجد للخصوصية أساسا في الحكم ونحو ذلك " (1).
ويقول أيضا:
" إننا نتصور أنه لا بد لنا من أن ندرس هذه الأمور دراسة أكثر دقة وأكثر حركية باعتبار أننا نستطيع في حال استنطاق الحكم الشرعي الوارد في هذا المورد نستطيع أن نصل إلى اطمئنان في كثير من الحالات من خلال دراستنا لعمق الموضوع الذي نحيط به من جميع جهاته مقارنا بموضوع آخر مشابه له في جميع الحالات مما يجعل احتمال اختلافهما في الحكم احتمالا ضعيفا بحيث لا تكون المسألة ظنية بالمعنى المصطلح عليه للظن، بل قد تكون المسألة تقترب من الاطمئنان إن لم تكن اطمئنانا، إن المشكلة هي أن الدراسة الأصولية والفقهية تؤطر ذهنية الإنسان في هذه الدائرة