أحدهما: ما ثبت أنه علة للحكم بصورة قطعية، استنادا إلى تصريح المعصوم بذلك.. أو لأن العلة قد جعلت عنوانا لموضوع الحكم أحيانا.. كالإسكار الذي هو علة لتحريم الخمر. فإن قوله عليه السلام: كل مسكر حرام، يظهر بجلاء أن الإسكار الذي علل به تحريم الخمر علة حقيقية لهذا التحريم، ولذلك دار حكم التحريم مدارها وجودا وعدما، حيث جعل المسكر موضوعا للحكم بالحرمة، وذلك ظاهر.
الثاني: ما جاء على سبيل بيان فائدة مهمة من فوائد التشريع، التي يريد الشارع صونها وحفظها، فظهر في لسان الدليل بصورة التعليل للحكم، وإن لم يكن علة تامة للتشريع وذلك مثل عدم اختلاط المياه في ما يرتبط بالعدة، فليس ذلك هو علة للتشريع، وإنما هو من حكمه وفوائده المهمة، ولذلك تجب العدة حتى في صورة استئصال الرحم، أو في صورة الوطء في الدبر..
وكما أن الشارع قد استعمل أسلوب التعليل في كلا الموردين ليظهر أهمية تلك الفوائد عنده واهتمامه بحفظها وصونها، لم يمكن الاطمئنان في مقام الاستظهار والاستدلال إلى أن ما يذكر في صورة بيان السبب - هل هو علة حقيقية؟ أم هو من لوازم العلة، ومن الفوائد المهمة التي يريد الشارع أن يحفظها ويصونها؟!.
3 - وقد أدرك الفقهاء، من خلال ذلك: أنه حين يكون المقصود هو إعطاء الضابطة، وبيان علل التشريع الواقعية التي يدور الحكم مدارها وجودا وعدما، فإن الشارع ملتزم بإزاحة العلة في بيان مقاصده، ولن يترك الأمر بدون استقصاء البيان الكافي والشافي.
وقد ظهر من خلال ممارسة الأدلة أن ما أراد الشارع بيان علله الواقعية قليل جدا، بل هو أقل القليل..
4 - إن الصلاة وإن كانت قد شرعت من أجل أن تنهى عن الفحشاء، والمنكر.. وقد اعتبر البعض هذا النهي لها من مقاصد الشريعة. ولكن من الواضح أن ذلك ليس هو علة التشريع بحيث يدور مدارها وجودا وعدما.. ولأجل ذلك لا يحكمون ببطلان صلاة لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر.. ولا يوجبون عليه إعادتها ولا قضاءها.