أنه قال لعلي (عليه السلام): (يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك. وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري) (1). وما إلى ذلك، وهو كثير جدا.
فإن النتيجة تكون هي أن هناك أسرارا عميقة تحيط بهم (عليهم السلام) لا ندرك كنهها، ولا ضير في أن نغرق أنفسنا بها، إذا كان الله ورسوله، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) هم الذين أخبرونا عنها في محاولة لشد أنظارنا إليها، وإطلاعنا عليها لحكمة هم يعرفونها.
3 - إن شعورنا بأن النبي (ص) قريب منا بصفاته البشرية، وكون ذلك هو أساس التمثل، والاتباع، والاقتداء صحيح، ولكنه لا يمنع من اعتقادنا أيضا بوجود قدرات، وإمكانات غير عادية لدى هذا النبي (صلى الله عليه وآله) في جهات أخرى من شخصيته، وحياته.
بل قد يسهم وعينا لهذه الحقيقة في الحرص على الاتباع له، والتأسي به.. في الجهات العملية، في دائرة السلوك، والأخلاق، والمواقف الرسالية، والالتزام العقيدي، والإيماني، وغير ذلك..
4 - إن الخط القرآني في دراسة شخصية النبي يرتفع بهذه الشخصية إلى مراتب لا تبلغها أوهام البشر، حين يأخذ نبيه في رحلة المعراج إلى السماوات العلى، حتى بلغ (عليه الصلاة والسلام) سدرة المنتهى.
وأما الآيات التي يستند إليها هذا البعض في إبعاد الأنبياء عن مواقع الكرامة الإلهية.. فقد فسرها العلماء، وبينوا معانيها.. بطريقة صحيحة، ومنسجمة مع كل المقاييس التي ارتضاها القرآن، وأكدها، والتزم بها الإسلام، وأيدها، وقد يجد القارئ الكريم في هذا الكتاب بعضا من ذلك.
5 - وأما أن الله سبحانه قد يطلع نبيه على بعض غيبه، مما قد يحتاجه في نبوته، فهو كلام صحيح.. ولكنه لا يمنع أيضا من أن يطلعه على جميع غيبه، فإن قوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة فلا يطلع على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول (لم يحدد فيه مقدار الغيب الذي يطلع الله عليه بعض رسله، بل إن سياق الآية - على غيبه - ظاهر في إمكانية أن يطلع الله بعض رسله على كل غيبه.