وتصرفاتهم، يلجأون إلى القول: بأن هذا التصرف المنسوب للنبي أو الولي هو من قبيل مخالفة الأولى في مقام التصرف، ومخالفة الأولى لا تنافي العصمة..
مع أن هذا الكلام غير سديد، فإن مخالفة الأولى إن كانت ناشئة عن الجهل بوجوه الحسن والقبح، وبما ينبغي أن يكون عليه.. فنحن نجل الأنبياء عن أن يكونوا غير قادرين على التمييز بين الأمور التي لا يحتاج التمييز ومعرفة الراجح منها إلى أكثر من التدبر في جهات الحسن الظاهرة في هذا العمل أو ذاك، والموازنة بينهما..
وإن كان النبي والوصي يدرك رجحان هذا على ذاك، ولكنه يتبع هواه في الأخذ بالمرجوح منهما، فالمصيبة تكون أفدح، وأعظم، والخطب أمر، وأدهى.
وإن كان يأخذ بالمرجوح من دون سبب سوى الاستهتار، وعدم المبالاة.. فإن ذلك أيضا مرفوض في حق الأنبياء، والأولياء، فلا يقبل في حقهم أن يكونوا يرجحون غير الراجح، أو يرفضون الأخذ بما هو أولى بالأخذ، فإن ذلك يكشف عن عدم وجود توازن في شخصية هذا الإنسان المعصوم، وعن أنه يفقد الضوابط والمعايير التي يفيده الالتزام بها ومراعاتها في هذه الحياة..
وما أعظمها من كارثة، وما أخطره من نقص أن يكون الإنسان غير قادر على اختيار الأفضل والأمثل..
ومن يكون هذا حاله كيف يصح أن يختاره الله ليكون الأسوة والقدوة، والمربي، والحافظ.. فقد يتخلى عما هو الأولى في أشد المواقف حساسية، وأعظمها خطرا، كما يذكرونه بالنسبة لآدم (عليه السلام).
وبعبارة أخرى: إن اختياره للمرجوح لا ينسجم مع حكمته، وعقله، ومع توازن شخصيته، كما أن الله سبحانه لا يمكن أن يختاره نبيا، ولا وليا خصوصا إذا كان ثمة من يختار الراجح والأولى ويترك المرجوح، فإن اختيار ذاك على هذا ينافي الحكمة، والتدبير، والرحمة بالبلاد وبالعباد.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا..
ومهما يكن من أمر فإن العلماء إذا غفلوا عن هذا الأمر، وتحدثوا عن إمكانية مخالفة النبي للأولى فإنهم بمجرد أن نلفت نظرهم إلى هذه المحاذير سوف يبادرون إلى التخلي عن قولهم ذاك لصالح القاعدة التي يلتزمون بها.
ولكن هذا البعض بملاحظة هذا الكم الهائل من المقولات قد اتخذ له