الأمر الذي من شأنه أن يسقط اتهاماتهم عن أية قيمة، لعدم وجود أساس معقول لها.
فاتضح مما تقدم: أن ما ذكره في معنى الآيات ليس هو المعنى النهائي، الذي لا محيص عنه فيها، بل إن هناك معاني محتملة، وقريبة لها، فلا مبرر للاستدلال بها.
هذا.. وقد أشرنا فيما سبق أن أمية النبي لا تعني نقصا فيه، بل هي غاية الكمال، لأنها تعني أن هذا الذي لم يقرأ ولم يكتب ها هو في لحظة واحدة يصبح عارفا أدق المعرفة وأشملها لعلوم ولأمور لم تمر عليه من قبل.. حتى إن لم يكن يقرأ فصار يقرأ ولم يكتب فصار يكتب مع عدم تعلمه لهذه الأمور من قبل.. مما يدل على أن قد حدث له حدث فريد، وهو اتصاله بالغيب وصدقه فيما يدعيه من الوحي الإلهي، فعدم معرفته بالقرآءة والكتابة وعدم تلقيه معارفه عن طريقها غاية الكمال له.. لأنه قد أصبح يملك أدق المعارف والعلوم وأوسعها من دون الاستعانة بكتابة أو قراءة وهذا غاية الكرامة والفضل، ولكن جهلنا نحن بالقرآءة والكتابة يعد نقصا فينا لأننا نحرم والحالة هذه من نيل المعارف ونبقى في دائرة الجهل.
9 - إن العبارة الأخيرة لهذا البعض تشير إلى أن مصدر معارفه (ص) قبل النبوة هو تأملاته، والألطاف الإلهية عليه في ملكاته الفكرية والروحية.
ومن الواضح أن ذلك لا يكفي في اعتباره (ص) مثقفا، فضلا عن أن يملك المستوى الثقافي العالي على حد تعبير هذا البعض رغم تحفظنا الشديد على مثل هذه التعابير بالنسبة للأنبياء (عليهم السلام) فإن التأمل، والملكات الفكرية والروحية للنبي لا تجعله عالما بما جرى للسابقين، ولا مطلعا على شيء من التفاصيل التاريخية لمن سبقه من الأنبياء، كما أن ذلك لا يجعله ملما بالأحكام والشرائع والحقائق الدينية وغيرها وبالآيات السماوية التي جاءت أو نزلت من قبله..
بل يكون علماء أهل الكتاب والحالة هذه، وكذلك غيرهم أعلم منه في ذلك، لأنهم يملكون ولو مقدارا ضئيلا من تلك المعارف مهما كان مشوبا بغيره من الأباطيل.