ذلك إلا بالوحي الإلهي الذي يقص عليه أنباء الرسل ما يثبت به فؤاده.
أما في الآية الثانية فإنها تتحدث عن جزئيات التحديات في التطورات السلبية أو الإيجابية التي تعيشها الرسالة، ويواجهها الرسل في التجربة الرسالية في الحرب والسلم، لتمنح كل موقف حكمه، ولكل مشكلة حلها، ولكل معركة سلاحها، ولكل تجربة درسها، لأن الله كان ينزل آياته تبعا لحاجة الواقع الذي يبحث عن الأجوبة في أكثر من علامات الاستفهام، ولم يكن قد زود رسوله بكل تعليماته، وكل تشريعاته وتوجيهاته له وللمسلمين، ولذلك كان النبي (ص) يردد كلمته المأثورة - عند إلحاح المسلمين عليه في إصدار الموقف الحاسم - (إني أنتظر أمر ربي) لأن ذلك هو الذي يعمق في نفوس المسلمين أن النبي لم يصدر فيما يبلغه أو يعالجه من موقف ذاتي، بل من وحي إلهي، حتى لا تختلط لديهم شخصية الذات في تصورهم للجانب الذاتي للرسل مما قد يملكون الحرية في قبوله أو رفضه - كما يتخيلون - وشخصية الرسول في حديثه عن الله مما لا بد لهم أن يقبلوه من دون مناقشة على أساس الخط الشرعي الإسلامي الذي جاء في قوله تعالى:
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ((33 / 36).
ولذلك كانوا يسألونه - حسب رواية السيرة - عن كل ما يصدره: هل هو رأي ارتأيته أو هو وحي من الله ليحددوا موقفهم منه على أساس تحديد ذلك، لكننا نرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له شخصيتان في حركته الرسالية في الشؤون الخاصة والعامة، لأنه كان يمثل التجسيد الحي للرسالة فهو القرآن الناطق الذي يتمثل القرآن الصامت في كل سيرته قولا أو تقريرا:
(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ((4 / 64).
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ((33 / 31).
فهو القدوة والأسوة في كل شيء فكيف يكون له شخصيتان في سلوكه العملي مع الناس، لتختلف فيه شخصية الإنسان عن شخصية الرسول، أما تثبيت الله للذين آمنوا فإنه يحصل من خلال القرآن الذي يعمق فيهم الإيمان بالله، ويفتح