الإشراكية لأن الله لا يمكن أن يكون هذه الأشياء المحدودة.. بل لا بد أن يكون شيئا أعظم من ذلك وأكبر.. في القوة والقدرة.. لا في الحجم.. (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.. حنيفا وما أنا من المشركين.. (.
وهكذا تدفقت إشراقة الإيمان في وعيه وفي قلبه، فأحس بأن الله هو شيء لا كالأشياء لأن الأشياء نتاج قدرته.. وأدرك أن الله لا يحس كما تحس الموجودات الأخرى بالسمع والبصر واللمس، ولكنه يدرك بالعقل وبالقلب وبالشعور.. من خلال كل هذه المخلوقات التي تحيط بالإنسان في الكون الكبير.. من السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن.. فتترك لديه انطباعا بان الله هو الذي فطرها وأوجدها.. ومن خلال هذه الإنطلاقة الإيمانية الرائعة التي أحس معها بالراحة والطمأنينة والانفتاح.. وقف بكل كيانه - ليحول كل وجهه - والوجه هنا كناية عن الذات بجميع التزاماتها وعلاقاتها وتطلعاتها - إلى الله، حنيفا، مخلصا مائلا عن خط الانحراف.. فهو وحده الذي تتوجه إليه العقول والقلوب والوجوه بالخضوع والطاعة المطلقة.. بإحساس العبودية.. وحركة الإيمان.. الذي يعلن هذا التوحيد بما يشبه الصرخة الهادرة الرافضة لكل الوجودات المحدودة، التي تتأله أو التي يحسبها الناس في عداد الآلهة.. وما أنا من المشركين..
وماذا بعد ذلك؟
هل هي الرحلة الأولى في طريق الإيمان، لدى إبراهيم.. أو هي محاكاة استعراضية للأجواء المحيطة به، فيما يعتقده الناس من ألوهية الكواكب والقمر الشمس.. في محاولة إيحائية لمن حوله بسخافة هذه العقائد وتفاهتها وضعفها أمام المنطق الوجداني الصافي، وذلك من موقع ابتعاده عنها بعد اقترابه منها، مما يعطي لموقفه بعض القوة في الإيحاء، باعتباره الموقف الذي عاش التجربة وعاناها.. ثم تمرد عليها..
ربما كان هذا هو الرأي الأقرب الذي يلتقي مع شخصية إبراهيم فيما حدثنا القرآن عن حياته.. فنحن لم نلمح - في غير هذه الآية - حالة تأثر بالجو المحيط به.. بل ربما نرى الأمر - بالعكس من ذلك - حالة تمرد على البيئة حتى فيما يتعلق بالجو العائلي المتمثل في أبيه الذي نقل لنا القرآن موقف إبراهيم منه.. وقد نستطيع استيحاء الآية السابقة التي حدثنا القرآن فيها عن كلام إبراهيم لأبيه حول الأصنام التي يعبدها أن هذا الموقف سابق لموقفه من هذه العقائد.. هذا بالإضافة إلى أن الرؤية التي حدثنا الله عنها لملكوت السماوات والأرض.. لا بد أن تكون الرؤية الوجدانية الواعية التي تحاول أن تثير التفكير من خلالها وليست