البعض: أن هذا الخوف لا يصل إلى درجة يؤدي إلى السقوط في المعصية، ولا يوحي بالإنسحاق، ولا يمنع من العصمة؟! فهل هذا الا رجم بالغيب، وحديث في أمور لا سبيل للاطلاع على مقاديرها إلا لعلام الغيوب؟!
ويزيد الأمر إشكالا أن هذا البعض نفسه يشترط الدليل المفيد للقطع في كل أمر هو من هذا القبيل، فأين هو هذا الدليل الذي قدمه على أن الخوف يكون بهذا المقدار أو ذاك؟!.
2 - من أين عرف هذا البعض: أن منشأ خوف نبي الله إبراهيم (عليه السلام) هو ضعفه البشري. ولماذا لا يقول: إن التكليف الإلهي لإبراهيم (عليه السلام) هو أن يقف موقف الحذر، وأن يحتاط لنفسه كما يحتاط الخائف في المواقع المماثلة.. حتى وإن لم يكن قد اختلج في نفسه أي خاطر؟!
3 - من أين عرف: أنهم قد امتنعوا عن الأكل.. فإن الآية الشريفة تقول: (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم، وأوجس منهم خيفة.. (فإن ظاهر الآية أنه رآهم يتظاهرون بأنهم يأكلون، ويمدون أيديهم إلى الطعام بحسب الظاهر. ولكن أيديهم لا تصل إلى ذلك الطعام، فكان أمرا غير طبيعي، وهو يدعو إلى الحذر.. وذلك هو الواجب الشرعي، وهو الحزم في مثل هذه الحالة.
4 - من أين عرف هذا البعض: أن ما جرى قد فاجأ إبراهيم بما يشبه الصدمة. وربما نجد في قوله تعالى (أوجس منهم خيفة (، والخيفة هي نوع من الخوف.. - ربما نجد فيه - إشارة إلى أنها خيفة ضعيفة استحقت الإشارة إليها بتنوين التنكير المفيد للضعف والوهن، نظير قوله تعالى عن اليهود: (لتجدنهم أحرص الناس على حياة.. (أو أنها كانت خيفة خاصة - وهي ذلك الإدراك لأمر خفي يدعو إلى الحذر الحازم الذي هو واجب شرعا..
5 - وأما قوله:
" ولكن الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة الخوف.. " فهو مما لا يمكن الموافقة عليه.. لأن ذلك يستبطن إمكانية ابتلاء أنبياء الله بالعقد النفسية، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، بالنسبة لأي نبي كان، فكيف بشيخ الأنبياء الذي هو من أولي العزم، وأفضل رسل الله بعد نبينا