وفي كلا الاحتمالين.. يمكن للعاملين في حقل التوجيه، استيحاء الفكرة العملية في أسلوب التربية.. من خلال الأسلوب الإستعراضي، فيما يتمثل فيه من مناجاة ذاتية تجعل الإنسان يواجه الأفكار المطروحة في الساحة، مواجهة المؤمن بها.. ثم يقوم بمناقشتها بالطريقة التي توحي باكتشاف مواطن الضعف والخلل فيها، بالمستوى الذي يجعلها بعيدة عن الحقيقة، وعن إمكان اعتبارها عقيدة ترتبط بها قضية المصير.. ولا يختص الأمر بالأفكار المتصلة بالعقيدة الإلهية بل يمتد إلى جميع المجالات التي تمثل الخط العملي للحياة.. ويمكن لنا ممارسة هذا الأسلوب في القصة والمسرح والسينما وغيرها من الأساليب التي تخاطب الجمهور لتوجيه قناعاته.. وقد لا نحتاج إلى التأكيد على ضرورة دراسة المستوى العقلي والروحي للناس من أجل تركيز هذا الاتجاه على قاعدة متحركة في الفكرة والأسلوب.. كما يمكن استيحاء القصة في مدلولها الرسالي في عدم خضوع الإنسان للبيئة فيما تحمل من أفكار وعادات ومشاعر، بل يعمل على ممارسة دوره الذاتي المستقل، كإنسان يفكر بحرية.. ويقتنع على أساس الدليل.
وتبقى لنا - في هذا المجال - هذه البراءة الفكرية من إبراهيم.. حيث نتمثله إنسانا يواجه العقيدة من موقع البساطة الوجدانية، والعفوية الروحية، التي تلتقي بالقضايا من وحي الفطرة لا من وحي التكلف والتعقيد.. ثم هذه اللهفة الحارة المنفتحة على الله - سبحانه - عند اكتشافه للحقيقة في توحيده في كل شيء، وفي الإقبال عليه بكل وجهه، وبكل فكره، وبكل روحه وانطلاقه العملي في الحياة.. لأن توجيه الوجه لله.. لا يعني - في مدلوله العميق - هذا الموقف الساذج الذي يتطلع فيه الإنسان نحو الأفق الممتد في السماء بنظرة حائرة بلهاء.. بل يعني انطلاقة حياة الإنسان وكيانه مع الله فيما يحمل من عقيدة، وفيما يرتبط به من فكر، وفيما يتحرك معه من خط، وفيما يستهدفه من أهداف.. وفيما يعيشه من علاقات وأوضاع وتطلعات.. إنه الاندماج في الحقيقة الإلهية، بأن تكون الحياة كلها لله.. وفي خدمة الله..
ولعل قيمة هذه الفكرة.. هي أنها لا توحي إلينا بآفاقها وخطواتها العملية، من وحي التجريد لنعيش معها في متاهات النظريات التجريدية.. بل هي حركة الإنسان - النبي الذي يعيش حركة الإيمان والفكر في حياته من موقع إنسانيته البسيطة.. ليوحي إلينا بأن دور الإنسان الذي يريد أن يحقق إنسانيته، هو أن ينعزل عن كل الحدود المادية الضيقة التي تشده إلى الأرض في استسلام ذليل،