ولم يشك الناس في غدر معاوية إياه وتحدثوا به ثم استحثهما عبد الله بن سلام وسألهما الفراغ من أمره، فأتياها فقالت لهما: إني سألت عن أمره فوجدته غير ملائم لي ولا موافق لما أريد لنفسي! فعلم عبد الله أنه قد خدع فقال متعزيا: ليس لأمر الله راد، ولام الناس معاوية على خديعته وجرأته على الله.
ولما انقضت أقراؤها وجه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين بن علي فقدم أبو الدرداء زيارة الحسين والتسليم عليه على مهمته، فرحب به الحسين وأجله وأخبر أبو الدرداء بمهمته فقال الحسين: لقد ذكرت نكاحها فلم يمنعني إلا تخير مثلك فأخطبها علي وعليه وأعطها من المهر ما أعطاها معاوية عن ابنه، فلما دخل عليها أبو الدرداء قال: لها قد خطبك أمير هذه الأمة وابن الملك وولي عهده يزيد بن معاوية، وابن بنت رسول الله الحسين بن علي فاختاري أيهما شئت! فسكتت طويلا ثم فوضت أمرها إليه فقال: أي بنية، ابن بنت رسول الله أحب إلي وأرضاهما عندي، فتزوجها الحسين وساق لها مهرا عظيما وبلغ معاوية ما فعل أبو الدرداء فتعاظمه جدا وقال: من يرسل ذا بلاهة وعمى يركب خلاف ما يهوى، ورأيي كان من رأيه أسوأ ولقد كنا بالملامة أولى. وكان عبد الله بن سلام قد استودعها قبل فراقه بدرات مملوءة درا هو أعظم ماله وأحبه إليه، وكان معاوية قد جفاه وقطع جميع روافده لتهمته إياه بالخديعة، ولم يزل يقصيه حتى عيل صبره وقل ما في يده، فخرج راجعا إلى العراق يذكر ماله الذي كان استودعه أرينب ولا يدري كيف يصنع ويتوقع جحودها لطلاقه إياها من غير شئ أنكره ونقمه عليها! ولما قدم لقي الحسين وسلم عليه وقال: قد علمت جعلت فداك ما كان من قضاء الله في طلاق أرينب وكنت استودعتها مالا عظيما درا فذكرها أمري واحضضها على الرد فإن