وكيف يمكن - مع طول تلك المدة، وشدة التقية، ووجود بواعث الإخفاء، وتحقق موجبات الاختلاف - بيانها بأكثر من ذلك، بحيث لا يشك فيها الأذهان المعتادة للتشكيك؟
فهل كنت تريد منهم أن يلازموا تلك الأخبار، ويتلاحقوا في الأعصار والأمصار، ويظهرون أنفسهم المقدسة، ويجعلون جميعها متواترة، مع عدم تمكنهم غالبا من إظهار مسألة على رؤوس الأشهاد؟
ولقد أراد بعض من لاحظ ذلك المقال مني أن يجيب عنه، فقال: قد بينت (1) عذر عدم وصول الدليل على حجية الظن في آخر كلامك، وهو ابتلاؤهم بالتقية، وتوفر دواعي الكتمان والإخفاء.
ولعمري إنه جواب عجيب! كيف وحجية الظن واتباعه شعار أهل السنة و مدارهم، ودارت عليه ديارهم، وبنيت عليه أحكامهم، وجرت عليه حكامهم.
وكيف يكون مثل ذلك محلا للتقية؟ ولو كانت تقية، لكانت في إظهار الإمامة أشد وأكثر، ويجب على هذا أن لا يكون عندنا منها عين ولا أثر.
وبالجملة: الأمر أوضح من أن يحتاج إلى هذا التطويل، والله عز شأنه يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.
وأما الوجه الثاني الإلزامي; فهو على سبيل الاختصار: إنا نتشبث بثلاث مقدمات من مقدمات الخصم:
الأولى: ما قال: من أن في التوقف في غير المعلومات، أو العمل بالأصل أو الاحتياط، أو الاقتصار على المعلومات، خروجا عن طريقة العلماء والفقهاء، و يلزم منه ترك سيرة الأصحاب، وهو غير جائز.
والثانية: ما ذكر من أنه لما ثبت بدليل الانسداد وجوب العمل بالظن، و لم يعلم بعينه، ولا يكفي الظن في التعيين، يجب العمل بكل الظنون إلا ما