ولا أدري لم صار مجرد ظن هذا المسكين سببا لخروج من يفعل غيره عن الدين؟!
فان قيل: إن العمل بالأصل في كل مورد مورد وإن لم يكن خروجا عن الدين، ولكن الجميع غير ما قرره الشارع يقينا.
قلنا: لا نسلم ذلك في حق مثل ذلك الشخص الذي لا دليل له، على أن مثله يرد على العامل بالظن أيضا، إذ في كل مورد مورد وإن احتملت المطابقة، ولكنه نعلم يقينا: أنه ليس جميع مظنونات هذا الواحد مطابقا لقول الامام، ولم تجر العادة عليها، سيما أنه كثيرا ما يتبدل رأيه في مسائل كثيرة، ولم يكن كل ظنونه في وقت مطابقا، ولا يرد عليه نقض ثم إنه يقال لابطال الثاني، أي الاحتياط: إنه لا دليل قطعيا على وجوبه، بل ما يدل عليه لا يفيد سوى الظن، وهو في المقام غير مفيد.
مع أنه لا يمكن في الأغلب، كما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة، أو بين شرطية شئ وشرطية عدمه، بل في دوران الامر بين الاستحباب وعدمه لأجل تفاوت النية مع منافاته لما اشتهر من وجوب الاجتهاد أو التقليد.
مع أن الاحتياط إنما يتحقق إذا أتى بما يحصل به القطع بالواقع من جميع الجهات، ولا ريب أنه في العبادات المركبة لا يحصل إلا إذا أتى بجميع المحتملات، ولا شك أنه يستلزم العسر والحرج، والقول بوجوبه إلى أن يؤدي إليهما وعدمه بعده يصفح في الأمور التدريجية، وأما ما شأن المجتهد فيه الاجتهاد والعمل، فليس من هذا القبيل، لاجتماع جملة منها في آن، بل لا يمكن خلو المكلف في أن من تكاليف كثيرة، لا أنه في الان الأول مكلف بشئ، وفي الثاني باخر، حتى يحتاط إلى أن يؤدي إلى العسر، مع أن حد العسر والحرج، ليس مما يعلمه كل أحد، حتى يصح الحوالة عليه في جميع الأحكام وإن صح في قليل من الوقائع