أما أولا: فلأنها في مقام توهم الحظر، فإن السفر محل التقصير، فلا يفيد الأوامر وما في معناها هاهنا إلا الجواز، وهو المطلوب.
وثانيا: بأن سائر الأخبار المذكورة في الباب - المصرح في بعضها بعدم الإيجاب، وفي بعضها بالاستحباب، والمفيد أكثرها ذلك بالتلويح والالتزام، والمصرح في جملة منها بالتخيير، وفي جملة منها بالتقصير - قرينة على ذلك، فلا يبقى للمتأمل فيها مجال فهم الوجوب المعين عنها، كما لم يفهم عنها ذلك أحد.
وأما السيد وابن الجنيد فلو ثبت كون مذهبهما ذلك فدليلهما شئ غير ذلك، كما هو معلوم على المطلع بحالهما وكلامهما.
وأما ترجيح حمل الأمر على الاستحباب على تخصيصها بصورة الإقامة فأوضح من أن يتبين، لما ذكرنا وللتصريح في كثير من الأخبار بقولهم (عليهم السلام) " ولو صلاة " " ولو مارا " " ويوم تدخل " ونحو ذلك، مع أن إرادة التمام بعد قصد الإقامة مما لا ينساق إلى ذهن من تأمل في هذه الأخبار، بل لا يكاد يجوزه أحد.
ولا ينافي ذلك الأمر في بعضها بالإقامة والإتمام، فإنها مستحب على حدة، ونحن نقول به.
ومن هذا ظهر الجواب عن قولك " ان النسبة بينها وبين أخبار القصر عموم من وجه " وان تلك الأخبار أخص مطلقا من أخبار القصر، فلا بد من تخصيصها بتلك.
وبالجملة: لا ينبغي التأمل في دلالة تلك الأخبار على مطلوبنا، ولا في سندها لأن جملة منها صحيحة صريحة، وجملة منها موثقة وقوية وحسنة، والباقي منجبرة ضعفها بعمل الأصحاب والاشتهار بينهم غاية الاشتهار، بل كاد أن يكون إجماعا، فنحمل الصحاح الثلاثة على بيان الجواز صونا عن طرحها.
نعم، لما نثبت بطلان مذهب السيد جزما وانا نجوز التقصير أيضا فالتقصير أقرب بحصول اليقين ببراءة الذمة، فلعل التقصير يكون أحوط من جهة ذلك، لكن في معارضة استحباب العمل على الاحتياط مع الاستحباب الثابت من تلك الأدلة تأمل.