وقد مر رواية المروزي في المباحث السابقة، وكذا رواية إسحاق بن عمار، وسيجئ أيضا بعض الأخبار.
فالذي يقتضيه النظر السليم في هذه الأخبار أن المعتبر عند الشارع في حد المسافة هو ثمانية فراسخ، سواء كان ذهابا كما يستفاد من ظاهر الأخبار الأول، أو ذهابا وإيابا كما يستفاد من الأخبار الأخيرة. ويظهر من مجموع هذين الصنفين حال الأخبار الوسط، وأن المراد بها كل واحد من الذهاب والإياب.
وهذا أحسن الوجوه في الجمع بين تلك الأخبار، فإن الجمع الذي اختاره المشهور وهو تنزيل الأخبار الأربعة على من أراد الرجوع ليومه فلا وجه له:
أما أولا: فلأنه مستلزم لألغاز وتعمية لا يليق بكلام الحكيم، لعدم إشعار في تلك الأخبار بذلك الاشتراط، كذا قيل.
وأما ثانيا: فلأن ذلك يستلزم طرح أخبار مكة رأسا، إذ من المعلوم أن تلك الأخبار لمن أراد الحج كما هو مصرح به في رواية إسحاق وحسنتي الحلبي وزرارة، وليس هاهنا رجوع ليومه مع ما فيها من التأكيد والتشديد الذي عرفت، والقول باختصاص ذلك بسفر عرفات خرق للإجماع، مع أن قوله (عليه السلام) " وأي سفر أشد منه " يفيد العموم.
وأما ما تمسكوا في وجه هذا الجمع بصحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب وموثقة محمد بن مسلم المتواليات المتقدمات فلا يجدي أيضا.
أما الأولين فظاهر، إذ ليس فيهما إلا بيان أنه يكفي في تحقق الثمانية انضمام الإياب إلى الذهاب، وأما كون ذلك ليومه فلا يلوح منهما.
وأما موثقة ابن مسلم فهي وإن كان لا يخلو من إشعار بذلك، لكن العمل بذلك الإشعار الذي لا يصير حجة في نفسه وطرح الأخبار الصحاح الصراح الكثيرة غاية الكثرة، مما لا يجوز مع أن حملها على بيان المسافة المعتبرة - وهي مسيرة يوم أو نحو ذلك - واضح، فالمراد في الخبر أنه إذا رجع يحصل بذلك مسيرة يوم، لا أنه يجب إذا أراد القصر جعل ذلك سير يوم واحد، فكأن الراوي بعد ما سمع