ولا ريب في ترجيح تلك الأخبار وقوتها سندا وعددا ودلالة، واعتضادها بعمل الطائفة سلفا وخلفا.
و (ثانيا) أن هذه الأخبار مطرحة للاجماع، وإن صح سند بعضها كما ذكره في المسالك حيث قال - بعد نقل جملة من أخبار المسألة -: بقي في هذا الباب أخبار نادرة تدل على اعتبار سنة وسنتين لا يعول عليها بالاجماع. إنتهى.
ولا ريب أن شهرة الحكم بين الأصحاب متقدميهم ومتأخريهم فضلا عن الاجماع عليه متى عارض الخبر وجب طرح ذلك الخبر إن لم يمكن تأويله، وذلك فإن الأخبار قد خرجت عنهم عليهم السلام على وجوه متعددة وأنحاء متبددة، ولا سيما وجوه التقية التي هي أوسع تلك الأبواب وبها وقع الاختلاف فيها والاضطراب.
وأما اتفاق شيعتهم على حكم من الأحكام فهو مؤذن بكون ذلك مذهبهم (عليهم الصلاة والسلام) لأن مذهب كل إمام إنما يعلم بنقل أصحابه وشيعته وعملهم به، ألا ترى أن مذهب أبي حنيفة إنما يعلم من الحنفية، ومذهب الشافعي إنما يعلم من الشافعية قولا وفعلا وعملا، ومن هنا خرجت الأخبار بالترجيح بالشهرة بين الأصحاب في مقام الاختلاف بين الروايات، فقالوا عليهم السلام (1) " خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر - وقالوا - إن المجمع عليه لا ريب فيه " وسر ذلك ما ذكرناه.
و (ثالثا) أنه لا يخفى على من تلجج بحور الاستنباط والاستدلال وشرب بكأس ذلك العذب الزلال أنه قد وردت جملة من الأخبار في أحكام متعددة مخالفة لما عليه كافة الأصحاب، فأعرضوا عنها وأطرحوها وإن كانت صحيحة الأسناد، ولم يقل بها قائل منهم، ولم ينكر ذلك هذان الفاضلان، بل سلماه ووافقا عليه كالأخبار الواردة بنجاسة الحديد، والأخبار الدالة على عدم وجوب غسل الجنابة على المرأة