والشارح (قدس سره) في المسالك قد رد هذا القول فقال وأطال ونعم ما قال:
وفي هذا عندي نظر لأن ضمير الجمع المؤنث في قوله " ترجي من تشاء منهن " واللفظ العام في قوله " ومن ابتغيت " لا يصح عوده للواهبات، لأنه لم يتقدم ذكر الهبة إلا لامرأة واحدة، وهي قوله (1) " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها "، فوحد ضمير الواهبة في مواضع من الآية ثم عقبه بقوله " ترجي من تشاء منهن " فلا يحسن عوده إلى الواهبات إذ لم يسبق لهن ذكر على وجه الجمع، بل إلى جميع الأزواج المذكورات في هذه الآية وهي قوله تعالى (2) " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " الآية، ثم عقبها بقوله " ترجي من تشاء منهن " الآية، وهذا ظاهر في عود ضمير النسوة المخير فيهن إلى ما سبق من أزواجه جمع.
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله لم يتزوج بالهبة إلا امرأة مؤمنة واحدة على ما ذكره المفسرون والمحدثون، وهو المناسب لسياق الآية فكيف يجعل ضمير الجمع عائدا إلى الواهبات، وليس له منهن إلا واحدة.
ثم لو تنزلنا وسلمنا جواز عوده إلى الواهبات لما جاز حمله عليه بمجرد الاحتمال مع وجود اللفظ العام الشامل لجميعهن، وأيضا فإن غاية الهبة أن تزويجه صلى الله عليه وآله يصح بلفظ الهبة من جانب المرأة ومن الطرفين على ما مر من الخلاف وذلك لا يخرج الواهبة من أن تكون زوجة فيلحقها ما يلحق غيرها من أزواجه، لا أنها تصير بسبب الهبة بمنزلة الأمة، وحينئذ فتخصيص الحكم بالواهبات لا وجه له أصلا.