وبالجملة فالثابت أصل الجواز وأما غيره من الأحكام فيحتاج إلى دليل واضح.
الثاني: في الأكل، قالوا: إنه يجوز الأكل من هذا المنثور عملا بشاهد الحال المستمر في ساير الأعصار ما لم تعلم الكراهة، ولأنه نوع إباحة، فأشبه إباحة الطعام للضيفان بوضعه بين أيديهم.
وظاهر هذا الكلام هو أن المستند في الجواز استمرار الناس في ساير الأعصار على الأكل من هذا الذي ينثر عليهم ونثره عليهم بمنزلة وضع الطعام بين يدي الضيفان، وفيه ما ستعرف إن شاء الله تعالى.
الثالث: في الأخذ، وقد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز أخذه واستصحابه من غير أن يؤكل في محله، إلا بإذن أربابه صريحا أو بشاهد الحال وحينئذ فالمرجع في ذلك إلى شاهد الحال، فإن دل على المنع من أخذه امتنع قالوا: وذلك بأن يوضع على خوان وشبهه بين يدي الآكلين ولا يرمى رميا عاما فإن ذلك قرينة على إرادة ضبطه، وقصر الإذن على الأكل.
أقول: لا ريب أن هذا الفرض موجب للخروج عن محل البحث، وذلك فإنه لا يفهم من النثار إلا ما رمي رميا عاما، ونثر على الحاضرين، وأنهم كانوا ينتهبونه لا ما وضع في آنية مخصوصة بين يدي الآكلين، كوضع الطعام بين يدي الضيف، فإن هذا لا يسمى نثارا (1) ولا يتعلق به حكم النثار، كما هو ظاهر.
قالوا: ولو اشتبه الأمران، بمعنى أنه لم يعلم بشاهد الحال الإذن ولا عدمه، فظاهر المحقق في الشرايع المنع من أخذه، لأنه قال: ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال، ومفهومه جعل الجواز مشروطا بالإذن، ولو بشاهد الحال، وهو هنا غير حاصل فلا يجوز، واستحسنه الشارح في المسالك أيضا، قال:
لأصالة المنع من التصرف في مال الغير، خرج منه ما إذا استفيد الإذن فيبقى