والوجه في ذلك أنه لا يكون مشمولا لأخبار التقية، لعدم تحقق موضوعها إذا وجدت المندوحة حال العمل.
وأما الاكراه على أخذ الجائزة من الجائر، فقد تقدم في البحث عن الاكراه على الولاية من الجائر أن الاكراه لا يتحقق مع وجود المندوحة، فإذا أكره الجائر شخصا على شرب أحد إنائين: أحدهما خل والآخر خمر، فإنه لا يجوز للمكره - بالفتح - أن يشرب الخمر بتوهم أنه مكره عليه، إذ الاكراه إنما هو على الجامع لا على الفرد الخاص، ومن هنا ظهر حكم الاضطرار أيضا.
وعلى هذا فإذا اقتضت التقية أو الاكراه والاضطرار أخذ الجائزة من الجائر مع العلم التفصيلي بكونها مغصوبة، جاز أخذها بل وجب في بعض الأحيان، ولكن التقية وأمثالها تتأدى بأخذها بنية الرد إلى مالكها، فلا يسوغ أخذها بغير هذه النية.
ثم إذا أخذت لا بنية الرد ضمن الآخذ ما أخذه ووجب عليه عند التلف أداء مثلها أو قيمتها لمالكها، لأن يده مشمولة لقاعدة اليد الحاكمة بضمان ما أخذت.
وأما إذا كان الأخذ بنية الرد إلى المالك فهو لا يخلو عن إحدى ثلاث صور: لأن الآخذ قد يكون عالما بعدم رضاء المالك بأخذ ماله من الجائر، وقد يكون عالما برضاه بذلك، وقد يكون شاكا فيه.
فعلى الأول لا يجوز أخذ المال من الجائر، فإن دليل سلطنة الناس على أموالهم يقتضي كون زمام المال بيد مالكه وليس لغيره أن يعارضه في سلطنته على ماله، مثلا إذا أطلق أحد عنان فرسه ليذهب إلى البيداء لغرض عقلائي ولم يرض برده، فإنه لا يجوز لأحد أن يأخذه ويحفظه لمالكه، بزعم أنه احسان إليه، لأنه تصرف في مال الغير بدون إذنه فهو