خروج التورية عن الكذب:
قوله: وأما التورية، وهو أن يريد بلفظ معنى مطابقا للواقع.
أقول: المعروف بين أهل اللغة وغيرهم أن الكذب نقيض الصدق، فصدق الكلام بالمطابقة وكذبه بعدم المطابقة، وإنما الكلام في بيان معنى المطابق - بالكسر - وأنه عبارة عما يظهر من كلام المتكلم أو عبارة عن مراده منه وبيان المطابق - بالفتح - وأنه عبارة عن الواقع والنسبة الخارجية أو عن اعتقاد المخبر أو عن كليهما.
فذهب المشهور إلى أن صدق الخبر مطابقته بظهوره للواقع وكذبه عدم مطابقته للواقع، بدعوى أن هيئة الجملة الخبرية إنما وضعت لتحقق النسبة في الخارج، سواء كانت النسبة ثبوتية أو سلبية، كما أن ألفاظ أجزائها موضوعة للمعان التصورية من الموضوع والمحمول ومتعلقاتها، فمطابقة الخبر لتلك النسبة الخارجية الواقعية صدق وعدمها كذب، فإذا قيل: زيد قائم، فإن هذا القول يدل على تحقق النسبة الخبرية في الخارج، أعني اتصاف زيد بالقيام، فإن طابقها كان صادقا وإن خالفها كان كاذبا.
وفيه أولا: أنه قد لا تكون للنسبة خارجية أصلا، كقولنا شريك الباري ممتنع، واجتماع النقيضين محال، والدور أو التسلسل باطل، وما سوى الله ممكن، إذ لا وجود للامتناع والامكان والبطلان في الخارج.
إلا أن يقال: إن المراد بالخارج ما هو أعم منه ومن نفس الأمر، ومن البين أن الأمثلة المذكورة مطابقة للنسبة في نفس الأمر، وتفسير الخارج بذلك ظاهر المحقق التفتازاني، حيث قال في المطول بعد تفسيره الصدق بمطابقة الخبر للواقع والكذب بعدم مطابقته للواقع: وهذا معنى مطابقة