وفيه: أن مراد المصنف من الأخبار التي ناقش في اعتبارها غير الدعاء المزبور كما هو الظاهر، وإنما لم يلتزم بوجوب الاستحلال، لأن الدعاء غير تام الدلالة عليه، وأما الاستفاضة فهي لا تنافي عدم الاعتبار، فإن الخبر المستفيض قسم من الأخبار الآحاد كما حقق في محله، ولذا يجعلونه في مقابل المتواتر.
مستثنيات الغيبة:
قوله: الثالث: فيما استثنى من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعم.
أقول: ذكر المصنف تبعا لجامع المقاصد (1) أن المستفاد من الأخبار أن الغيبة المحرمة هي ما كان الغرض منها انتقاص المؤمن وهتك عرضه، أو التفكه به أو اضحاك الناس منه، وأما إذا كان الاغتياب لغرض صحيح راجع إلى المغتاب - بالكسر أو الفتح - أو إلى ثالث، بحيث يكون هذا الغرض الصحيح أعظم مصلحة من احترام المؤمن وجب العمل على طبق أقوى المصلحتين، وهذا كنصح المستشير والتظلم ونحوهما، وعليه فموارد الاستثناء لا تنحصر بعدد معين بل المدار فيها وجود مصلحة أهم من مصلحة احترام المؤمن.
وعلى هذا المنهج جميع موارد التزاحم في الواجبات والمحرمات، سواء كانت من حقوق الله أم من حقوق الناس.
أقول: مقتضى الأدلة المتقدمة هو تحريم الغيبة بعنوانها الأولي، سواء انطبقت عليها سائر العناوين المحرمة أم لا، وعليه فلا وجه لجعل حرمة الغيبة تابعة لقصد هتك المؤمن أو التفكه به أو انطباق غيرهما من العناوين المحرمة.