ومعنى المرتاد في اللغة هو الطلب والميل، أي إني طالب في ديني ومجد لتحصيل الاعتقاد بالمبدأ والمعاد، فقد خيل بذلك إلى عبدة الأصنام والنجوم أنه مريض لا يقدر على التكلم، فتولوا عنه مدبرين وأخروا المحاكمة إلى وقت آخر، وللعلماء فيه وجوه أخرى قد ذكرها المفسرون في تفاسيرهم.
وأما رمي قول يوسف (عليه السلام): أيتها العير إنكم لسارقون بالكذب، فقد ذكروا في الجواب عنه وجوها، أظهرها أن المؤذن لم يقل: أيتها العير إنكم لسرقتم صواع الملك، بل قال: إنكم لسارقون، ولعل مراده: أنكم سرقتم يوسف من أبيه، ألا ترى أنهم لما سألوا ماذا تفقدون، قالوا لهم:
نفقد صواع الملك، ولم يقولوا: سرقتم ذلك.
ويؤيده ما في خبر الإحتجاج المتقدم عن الصادق (عليه السلام)، من قوله:
إنهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى - الخ (1).
مسوغات الكذب:
1 - جواز الكذب لدفع الضرورة:
قوله: فاعلم أنه يسوغ لوجهين: أحدهما الضرورة إليه فيسوغ معها بالأدلة الأربعة.
أقول: لا شبهة في كون الكذب حراما في نفسه ومبغوضا بعينة، لظاهر الأدلة المتقدمة المطبقة على حرمته، وعلى هذا فلا وجه لما زعمه الغزالي (2)، من أن الكذب ليس حراما بعينه، بل فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره، فإن أقل درجاته أن يعتقد المخبر الشئ على