وفي رواية «العلل» بسند جيد (1)، عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: (فإن قال: فلم جعل اولي الأمر، وأمر بطاعتهم؟
قيل: لعلل كثيرة:
منها: أن الخلق لما وقفوا على حد محدود، وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد - لما فيه من فسادهم - لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا، يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم; لأنه إن لم يكن ذلك كذلك، لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها: أنا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملة من الملل، بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لا بد لهم من أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
ومنها: أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا، لدرست الملة، وذهب الدين، وغيرت السنة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين; لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين، محتاجين غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم.
فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول، لفسدوا على نحو ما بينا، وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين (2).