بليغ، لا لداعي الاستثناء جدا، ولعل قوله: «جاءني القوم إلا الحمار» من هذا القبيل، فأراد المتكلم تأكيد مضمون الجملة السابقة، وعدم خروج فرد من المستثنى منه، فالاستثناء صوري لداعي التأكيد.
ولعل استثناءه تعالى إبليس من الملائكة من هذا القبيل، فأراد تأكيد مضمون الجملة السابقة، وإن كان بينه وبين المثال السابق فرق; فإن الحكم في المستثنى في قوله تعالى مقصود، بخلاف المثال السابق; لجواز أن لا يكون مرادا، ولعل القوم لم يكن لهم حمار نظير باب الكنايات، مثل «زيد كثير الرماد».
وربما يكون الاستثناء لاحتمال دخول المستثنى في المستثنى منه، ولعل استثناء إبليس من قبيله... إلى غير ذلك.
وكيف كان: إن الاستثناء في قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) ليس من قبيل الحقائق الادعائية، ولا لتوهم الدخول، ولا يبعد أن يكون لتأكيد مضمون المستثنى منه، وإن كان المستثنى أيضا مقصودا.
وعلى هذا: لا يكون الاستثناء دليلا على الحصر; أي حصر جواز الأكل في التجارة عن تراض، لعدم إرادة الإخراج جدا، بل لإفادة عدم خروج شئ من الباطل من المستثنى منه، فكأنه أراد استثناء غير الداخل; لإفادة أن الداخل لم يستثن منه شئ، لا أن المستثنى منحصر به.
لكن بناء على ما ذكرناه - من فهم العلية في المستثنى، والمستثنى منه، ومقتضى المقابلة بينهما - تكون إفادة الحصر لأجل عدم خروج شئ من الحق والباطل، فكل باطل داخل في المستثنى منه، وكل حق داخل في المستثنى، ولا ثالث لهما، فليس جواز الأكل منحصرا في التجارة عن تراض، بل هو منحصر في الحق المقابل للباطل.
فتحصل مما ذكر: أن الآية الكريمة لا تدل على بطلان عقد المكره إذا