إن السيد المرتضى هو ممن لا يشك في تضلعه في علوم اللغة والبيان والفقه حتى قيل فيه: (لو قيل إن المرتضى أعلم العرب بلغتهم لم نتجاوز) وهو من أبرز أعلامنا.. منذ مطلع القرن الخامس وإلى يومنا هذا.. وقد ذكر هذا العلم هنا عدة أجوبة (1).
الأول: إن الآية قد علقت - في ظاهرها - كلمة (هم) بذاتيهما، فقالت: (همت به، وهم بها (، ولا يجوز تعلق الهم بالذات بمعنى الإرادة والعزم، فلا بد من تقدير محذوف، وليس بعض الأفعال أولى بالتقدير من بعضها الآخر، فهل هم بالضرب؟ أو الإكرام؟ أو أي شيء آخر؟ ويترجح أن يكون يوسف قد هم بالضرب، كقولك: هم فلان بفلان، أي بأن يوقع به ضربا أو مكروها..
أما من ناحيتها، فالمحذوف هو الفعل القبيح، وإنما فرقنا بينها وبينه في هذا الأمر، لما ظهر من أنها قد راودته عن نفسه، فجاز عليها فعل القبيح فهمت به، أما يوسف (ع) فلا يجوز ذلك عليه، لأنه رفض واستعصم، حسبما دل عليه القرآن..
والسبب في أن برهان ربه قد صرفه عن ضربها هو أنه لو فعل ذلك لأهلكه أهلها وقتلوه، أو أنها تدعي عليه المراودة على القبيح، وتقذفه به، وأنه إنما ضربها لامتناعها، وسيصدق الناس عليه ذلك.
وعلى هذا التفسير لا يكون جواب (لولا) متقدما عليها، بل هو مقدر ومتأخر عنها، والتقدير: همت به وهم بدفعها أو ضربها، لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك.
وحذف الجواب هنا كحذفه في قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم) (2)، والتقدير لهلكتم.
أضف إلى ما تقدم: أن من يقول: المراد أنه عليه السلام قد هم بالقبيح كما همت هي به، يحتاج هو الآخر أيضا إلى تقدير جواب، كأن يقال: همت بالقبيح وهم به لولا أن رأى برهان ربه لفعله..
الثاني: أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، أي: لقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، وهذا كقولك: قد كنت هلكت لولا أني تداركتك،