فالمراد من الأمر في قول موسى (ع) (وأشركه في أمري) غير النبوة، بدليل أن رسول الله (ص) دعا الله بأن يشرك عليا (ع) أمره مع أن عليا ليس نبيا قطعا، بل المراد هو آثار النبوة، كافتراض الطاعة وغير ذلك والله العالم.
ب - كما أن رسول الله (ص) قد طلب من الله سبحانه حل العقدة من لسانه حيث قال (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) مع أن ذلك لم يكن لقلة فصاحة فيه، ولا لعقدة أو لكنة في لسانه، ولا لكون علي عليه السلام أفضل منه، وهو القائل (ص): (أنا أفصح من نطق بالضاد).
وهذا يشهد بأن المراد من الفصاحة في دعاء موسى (ع) ليس هو المعنى الذي يذكرونه في علم المعاني والبيان، وإلا لما صح أن يدعو به أفصح من نطق بالضاد، فالمراد إذن شيء آخر وهو أنه أكثر انطلاقا في الحديث معهم حيث لم يقتل منهم رجلا من عدوه كما فعله أخوه موسى (ع)، بالإضافة إلى جدالهم في أمر إحسانهم لموسى وتربيتهم له (ع) وليدا كما ذكر الله تعالى حكاية ذلك في قوله (.. ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين).
وهكذا يتضح أن ذلك لا ينافي كون موسى (ع) أعلم الناس وأكملهم وأشجعهم كما يقول هذا البعض.
2 - وحتى لو سلمنا - جدلا - بأفصحية هارون من الناحية الكلامية، ولم نحمل كلامه على ما ذكرناه آنفا، أو على أن ذلك كان منه تواضعا وهضما للنفس، فلا مشكلة في ذلك، لأن هذه الآية نفسها تثبت صفة الفصاحة لموسى (عليه السلام) أيضا غير أنه يمهد للحصول على مطلوبه وهو أن يكون أخوه هارون وزيرا له. وأين هذا مما ذكره هذا البعض من كون لكنة موسى تمنعه من إفهام ما يريده للناس، الأمر الموجب للنقص في الصفات التبليغية المتوجب توفرها في المبلغ لدين الله.
فأفصحية هارون (ع) كمال له، وفصاحة موسى (ع) لا تعتبر نقصا ولا تضر في أفضلية موسى (ع)، حيث إن ملاك الأفضلية هو التقوى الناشئة عن العلم والتي تقترن بالعمل.