حسبة قبل تحرير الدعوى أمكن حينئذ الفرق بين سبق الدعوى وعدمه، فيتم ما ذكره المصنف على فرض سبق الدعوى، لحصول تكذيب الأولين معه بخلاف ما إذا لم تسبق الدعوى، فإنه حينئذ يكون مخيرا في الأخذ بكل منهما ما لم يكن مصدقا لأحدهما، وإلا أخذ بها من غير فرق بين الأولين والأخيرين.
هذا ولقد أطنب في محكي المبسوط في تصوير المسألة باعتبار أن الشهادة على القتل لا تسمع إلا بعد تقديم الدعوى وتحريرها، ولا بد فيها من تعيين القاتل، فكيف يسأل المدعي بعد شهادة الفريقين، وباعتبار عدم سماع الشاهد قبل أن يستشهد أيضا.
وتبعه في المسالك وأقصى ما ذكر في الجواب عنه إما بأن تقديم الدعوى على الشهادة إنما يشترط إذا كان المدعي ممن يعبر عن نفسه دون غيره كالصبي والمجنون، والمشهود له هنا القتيل، ولذا تقضى ديونه من ديته وتنقذ وصاياه، وهو لا يعبر عن نفسه، وإما بأن المسألة مفروضة في ما إذا لم يعلم الولي القاتل، والشهادة قبل الدعوى مسموعة والحال هذه، وإما بأن ذلك يورث ريبة للحاكم فيسأله الحاكم احتياطا في الدماء، وإما بأن تفرض في ما إذا وكل المدعي وكيلين على الدعوى فادعى أحدهما على اثنين والآخر على اثنين، وشهد كل اثنين على الآخرين.
وإن كان قد يشكل الأول بعدم تماميته في دعوى القصاص، وبمنافاته إطلاقهم عدم قبول الشهادة حسبة في حقوق الآدميين، المحضة، والثاني بامكان أعلام الشاهد المستحق للقتل حتى يقدم الدعوى ثم يشهد الشاهدان، فالأخيران حينئذ أولى الأربعة.
ولو شهد المشهود عليهما بالقتل عمدا أو خطأ به على غير الشاهدين لم يقبل أيضا، للتهمة بدفع الضرر عن أنفسهما بالقصاص أو الدية، والله العالم.