كاشف اتفاقهم عن وجود الحجة العلمية القاطعة للعذر، الموافقة لرأي الحجة عادة، فيقال: إن اتفاق العلماء الثقات الأعلام على حكم من الأحكام - مع كونهم من الأزكياء الأتقياء، أرباب النفوس القدسية، الباذلين جهدهم طول دهرهم في تحصيل المسائل الدينية ومعرفة الأحكام الشرعية، مع شدة اختلافهم في الأصول والفروع، وتباين أنظارهم وأطوارهم في إدراكها واستنباطها، كثرة تجديدهم النظر فيها، وادعاء كثير منهم عدم العمل إلا بما يوجب العلم واليقين، وقرب عهد قدمائهم بأئمتهم وأصحابهم الآخذين أحكامهم فيهم، و زيادة اطلاعهم على الأخبار - يوجب القطع بحكم العادة والحدس بأنه حكم الله المأخوذ من الحجج، أو مستنبط من الأدلة القطعية الموافقة لرأيهم.
وأنه ما دعاهم إلى الإجماع مع كثرة ما بينهم من الاختلاف والنزاع إلا بلوغ الحكم ودليله من الظهور بحيث لا يقبل الارتياب.
وقد تستتم هذه الطريقة بنظر ما يقال في الخبر المتواتر: من حصول الظن من كل واحد واحد إلى أن ينتهي إلى القطع من تراكم الظنون واجتماعها.
ولا يخفى أن هذه الطريقة بعينها الطريقة السابقة عليها، إلا أن مبنى السابقة على إدخال المعصوم أو قوله في أقوال المجمعين، ومبنى هذه الطريقة على أصول الحجة القاطعة.
وهذا هو مراد من فرق بينهما، بأن مبنى هذه الطريقة على حكم الحدس والعادة بسبب شدة الاهتمام ومزيد الفضل والورع وتباين الأنظار، ومبنى السابقة على حكم الحدس والعادة بواسطة اتصال الأخذ والتناول واقتضاء التابعية والمتبوعية إلى صاحب الشرع.
ولذا يقال في تقرير الأولى: إن حصول العلم باتفاق الطبقة الأولى طريق إلى حصوله بالنسبة إلى الثانية، وهكذا إلى أن يصل إلينا بتلقي المتأخر من المتقدم، ووصوله من كل طبقة إلى ما بعدها، وأخذ اللاحق يدا بيد وخلفا عن سلف.