الأصل يحتاج إلى دليل، وهو في القرعة موجود دون الاختيار، نعم لو لم تثبت القرعة يثبت الاختيار بالانحصار.
فإن قيل: الأصل جواز اختياره كل من أراد وعدم المنع فيه.
قلنا: لا نسلم ذلك، بل الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بالقدر الثابت، ولم تثبت مشروعية ذلك التصرف له.
نعم يصح ذلك فيما لم يكن عمله مخالفا للأصل، كما في تعيين المقدم من المدعين، ومن الزوجات، ومن الطلبة الواجب تعليمهم، ونحو ذلك، لأن الحكم في الأول، والقسمة في الثاني، والتعليم في الثالث، واجب، وهو على تقديم واحد معين متوقف، وما يتوقف عليه الواجب واجب، فتعيين المقدم واجب.
ويمكن التعيين بالاختيار والقرعة، والاختيار هنا موافق للأصل، لأن الأصل عدم كونه ممنوعا من سماع دعوى ذلك المعين أولا، وعدم كونه ممنوعا من مضاجعة تلك الزوجة أولا، وهكذا، إلا إذا كان سببا لمحرم، ككسر قلب و نحوه، فيكون مخيرا بين التخيير والقرعة لو لم يكن دليل على نفى أحدهما في مورد، فتكون القرعة واجبا مخيرا.
ولا يتوهم جريان مثل ذلك في القسم الأول أيضا، لأن المطلوب فيه أمر معين في الواقع، وتعيينه بالاختيار مخالف للأصل مطلقا.
هذا كله إذا وجب التعيين شرعا.
وإن لم يجب التعيين، كتقديم أحد المتعلمين في العلم الغير الواجب، أو تقديم إحدى المتمتعتين في الليلة، فلا يجب القرعة أيضا لا معينا ولا مخيرا، بل فيجوز له الأمران كما يجوز له تركهما.
ثم إن كل ما ذكرنا من وجوب القرعة معينا أو مخيرا بينها وبين الاختيار، أو جوازهما، إنما هو إذا وجب العمل بالمعين أو جاز. وأما إذا لم يجز، إما لدليل على عدم جواز العمل، أو لعدم دليل على الجواز مع كون العمل مخالفا