فإن قيل: يمكن التعيين في مثل ذلك بالتخيير، لحكم العقل بأن كل ما يجب العمل فيه بمعين ولا معين له يتخير فيه، فيتعين بالاختيار.
قلنا: يحكم العقل به إذا لم يكن هناك طريق إلى التعيين، وبعد ثبوت شرعية القرعة فيه لا يصدق سد طريق التعيين حتى يحكم العقل فيه بالتخيير.
نعم لو دل دليل شرعي من نص أو إجماع أو إطلاق على التخيير، لا تجب القرعة.
فإن قيل: يمكن التعيين بالأصل.
قلنا: ليس كل مورد مما يجري فيه الأصل، كمسألة الخنثى.
وأيضا قد يتعارض فيه الأصلان، فلا يمكن العمل بشئ منهما.
وإن لم يكن دليل على وجوب التعيين، فلا تجب القرعة، بل تجوز كما يجوز ترك التعيين وإبقاؤه على إبهامه، أو اختيار أي واحد أراد.
وإن كان من القسم الثاني: فإن وجب فيه التعيين ولم يكن مناص منه، كأن يوصي أحد بعتق أربع رقاب من عشرين عبيده، فإنه لا يمكن عتق الأربع المبهمة و لا خمس الكل مشاعا، لعدم صدق الرقبة على الجزء، بل يجب عتق المعين.
فإن دل دليل شرعي على تخيير أحد في التعيين، كأن ينص الموصي على التخيير، فيتخير هو بين تعيينه بالاختيار وبالقرعة.
وإن لم يدل دليل على كونه مختارا في التعيين، تتعين القرعة، ولا يكفي في إثبات تخييره وجوب التعيين وانسداد الطريق كما مر. فإن قيل: الأصل عدم وجوب تعيين هذه الأربع وهذه الأربع إلى آخر الرقاب، وإذا لم يتعين يكون مخيرا.
قلنا: لا نسلم أنه إذا لم يتعين ثبت التخيير، وإنما يثبت تخييره من جهة انتفاء التكليف بما لا يطاق، وهذا إنما يكون لولا طريق شرعي إلى التعيين.
والحاصل: أن ثبوت ذلك الاختيار إنما يكون باللا بدية، وهي هنا مفقودة.
وبعبارة أخرى: التعيين إما بالاختيار أو القرعة، وثبوت كل منهما خلاف