وثالثة بكون ذلك طريقة العلماء وسيرة الفقهاء، بل كل أحد، فإنا نراهم يحملون ألفاظ الكتب المصنفة في أزمنة قبل هذا الزمان إلى زمان الشارع، على ما يفهمون منها في هذا الزمان، ويتبادر منها عندهم من غير تشكيك ولا تأمل، ولو علم كون اللفظ ذا معنى آخر منقولا عنه أو مشتركا بين ما يفهم منه في عرفهم وبين معنى آخر، إلا أن يعلموا اختلاف عرفهم.
وفساد الوجه الأول ظاهر جدا، لأنا نشاهد تغير العرف بزمان أقل من ذلك الزمان بكثير، بل في ظرف سنتين أو ثلاث سنين، فإنه إذا استعمل لفظ له معنى في آخر بقدر تلك المدة، يهجر المعنى الأول ويترك، فكيف بأزيد من ألف سنة!
كيف؟ وتراهم يحكمون بثبوت الحقيقة الشرعية في زمان الصادقين عليهما السلام للفظ استعمل في معنى من زمان الرسول صلى الله عليه وآله إلى زمانهما.
وأيضا نرى تغير العرف في كثير من الألفاظ، كالمن، والمثقال، والكراهة، وغير ذلك، بل لو استعمل في معنى غير معنى زمان الشارع إلى هذا الزمان يتغير العرف قطعا. فالذي يفيد له عدم الاستعمال، وأنى يثبت ذلك؟ إذ يستبعد مع مرور دهور كثيرة وقرون عديدة.
وأما لبيان فساد الثاني، فنقول بعد قطع النظر والاغماض عما في التمسك بالغلبة من المجازفة والمماثلة لطريقة العامة العمياء:
إن الألفاظ على صنفين: أحدهما ما لم يعلم تعدد معناه أصلا، والآخر ما علم فيه.
والأخير أيضا على قسمين: أحدهما ما يكون أحد معنييه من المعاني المستحدثة من الشارع ذاتا أو وصفا أو قيدا، أو يكون مما تعم به البلوى ويستعمل كثيرا، وثانيهما ما لا يكون كذلك.
فإن أريد غلبة الاتحاد في الصنف الأول، فهو لا يفيد; لان الغالب في كل صنف أو قسم يلحق النادر من ذلك الصنف أو القسم به، فهو لا يفيد لغير ذلك الصنف، ولا نزاع في ذلك الصنف. وكذا إن أريد غلبته في القسم الأول من