لهم اصطلاح وراء اصطلاح أهل زمانهم، بل هم من بدو أمرهم ومبدأ تعلمهم دخلوا تلك الكتب، وتعلموا اصطلاحاتها ومعاني ألفاظها من معلميهم و أساتيذهم، الذين هم أيضا أخذوها من أساتيذهم، وهكذا، وحصل لهم اصطلاح وراء اصطلاح أهل عصرهم، بل هو حقيقة اصطلاح أهل زمان التأليف الواصل إليهم يدا بيد، فهم بعينهم أهل زمان المؤلفين.
وذلك ظاهر جدا، فإن غير العرب من هؤلاء العلماء لا اصطلاح لهم في هذه الألفاظ، ولا يعرفون معانيها، ولم يأخذوها من العرب باصطلاح زمانه، بل أخذوها ممن أخذ خلفا عن سلف. وأما القريب منهم، فأيضا كذلك; لان ألفاظ العرب في هذا الزمان لا تشابه تلك الألفاظ، فكيف بالمعاني.
والغافل عن حقيقة الامر، الغير المتأمل، يزعم أن بناء فهم العلماء واستخراجهم المعاني من الكتب، من جهة اصطلاح زمانه، وهو خطأ; لان من لم يأخذ معانيها من الأستاذ لا يفهم منه شيئا، بل لو قرأ أكثر تلك الكتب لغير المتعلم عند الأستاذ المطلع على اصطلاحات الكتب كالعوام من العرب أو العجم، لا يفهمون شيئا منها غالبا، حتى أن العجمي لا يفهم كتب علماء العجم المدونة بالفارسية غالبا إلا بقرائن منضمة.