وإن قلت بالتساقط والرجوع إلى الأصل، فقد يقتضي الأصل حكم الاستصحاب، كما إذا انقلب الخل خمرا، والماء بولا، ونحو ذلك.
ولا يخفى أنه وقع الاشتباه لكثير في مسألة اشتراط عدم تغير الموضوع في وجوه كثيرة، ووقعوا لأجله في اشتباهات عديدة، فمنهم من اشتبه الامر عليه في سبب اشتراطه، ومنهم من أخطأ في فهم المراد من تغير الموضوع، كما مر في بعض العوائد المتقدمة (1)، ومنهم من اشتبه الامر عليه في معرفة الموضوع.
ومن ذلك: ما ذكره بعضهم في مسألة الماء المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره، فيقول: لا يمكن استصحاب النجاسة لتغير الموضوع; لأنه هو الماء المتغير، وقد انتفى التغير (2).
وهذا خطأ لان هذا إنما كان يصح إذا قال الشارع: الماء المتغير بالنجاسة نجس، فيكون الحكم النجاسة، والموضوع الماء المتغير، ولكن ليس كذلك، بل قال: الماء إذا تغير ينجس، فالحكم قبول النجاسة بالتغير (3)، والموضوع الماء، وأما أنه نجس مطلقا فمأخوذ من حكمه بأن كل ما صار نجسا فيكون نجسا حتى يرد عليه التطهير، وهذا الحكم ثابت لكل شئ لا للماء المتغير خاصة.
والحاصل: الفرق بين قوله: الماء المتغير نجس، وقوله: الماء ينجس بالتغير، فإن الموضوع في الأول الماء المتغير والحكم النجاسة، وفي الثاني الموضوع الماء والحكم النجاسة بسبب التغير.