بالحكم بعدم ثبوت الحكم الأول فيه وإن لم يحكم بخلافه أيضا، وثالثة بثبوت عدم مطلق الحكم فيه.
فإنه لو قال الشارع: يباح لك الجلوس في بيت زيد يوما، وأما بعده فلا أحكم حينئذ بالإباحة ولا بنفيها، بل أبين حكمه بعد ذلك، لا يمكن استصحاب إباحة ما بعد اليوم; للعلم بانتفاء الحكم الأول، لا بسبب الحكم بالحرمة أو الحكم بعدم الإباحة، بل بسبب عدم الحكم وانتفائه من أصله، فإن ثبوت عدم الحكم أيضا انتفاء للحكم، ولذا لا يستصحب الحكم السابق فيما لو فرض تصريح الشارع بأنه لا حكم لي في الزمان السابق.
ثم انتفاء أصل الحكم الأول في الثاني: تارة يكون بتصريح الحاكم بالانتفاء، كأن يقول: لا حكم لي بعد ذلك، وأخرى يكون بتخصيصه الحكم بالأول، فإنه أيضا موجب لانتفاء الحكم في الثاني، لا بمعنى أنه موجب للحكم بعدم ما حكم به للأول في الثاني، وثبوت انتفاء المحكوم به في الأول في الثاني، حتى يعارض ما دل على ثبوت الحكم في الثاني، بل لا حكم في الثاني في الأول، ويعلم انتفاء نفس الحكم الأول في الثاني.
وإذا عرفت ذلك فنقول: إذا علق الشارع حكما على موضوع خاص، يكون هذا الحكم - أي نفس الحكم - خاصا بذلك الموضوع، فلا يكون حكم لغير ذلك الموضوع بهذا الحكم الأولي، وتكون ماهية الحكم منتفية فيه، فيعلم انتفاؤه فيه، فلا يستصحب، إذ لا يحتمل ثبوت الحكم الأول فيه، بل علم عدم ثبوته، وإن جوزنا ثبوته بحكم آخر، ولكن لو ثبت حكم بدليل آخر، لا يكون ذلك استصحابا.
ولا يتوهم: أنه وإن لم يثبت ما حكم به بالحكم الأول له بالحكم الأول ولا بدليل آخر، ولكن يثبت له بالاستصحاب; لأن الاستصحاب إبقاء الحكم الأول من جهة ثبوته في الأول، ومعنى جهة ثبوته في الأول كونه ثابتا فيه، محتملا بقاء الحكم الأول أو شموله لهذا الزمان.