والحق أن المراد خفاء البيوت، كما هو مورد النص، فلا عبرة بسواد المدينة وشبحه، بل يعتبر في ذلك فقدان تميز البيوت، وإذا لم يعتبر ذلك فلا نعتبر بالعلامات - كالمنارة والقباب - بطريق أولى.
فإذا عرفت هذا فتعرف أن لا حاجة إلى القول: بأن المراد من اختفاء البيوت هو اختفاء المسافر عن البيوت - أي: عن أهلها - لا اختفاء البيوت عن المسافر، كما ذكره بعض المتأخرين، وبهذا رفع الإشكال بين هذا الخبر وما دل على خفاء الأذان.
إذ - مع أن الأصل عدم الحذف، وأن القلب باب شائع - لا يتفاوت المعنى على ما ذكرنا، بل يمكن أن يقال: إن هذا يصير أبعد مما اعتبرناه، إذ الموجود في النص هو البيوت، لا سواد المدينة وشبحه، ولا نفس المدينة، ولكن المطلوب في اختفاء الشخص هو اختفاء نفس جثمانه وشبحه كما هو ظاهر، إذ ليس في النص تواري هيئته وشكله، فتأمل.
فالمعتبر إذن الأرض المتوسطة، والأذان المتوسط، كما هو الغالب المتعارف.
واحتج الصدوق بما رواه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه (1). وهو - مع أنه مرسل - لا يقاوم ما ذكرنا، على أنه مطلق، فلا بد من حمله على المقيد.
وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه: إذا سافر فرسخا قصر الصلاة (2).
ونزله بعضهم على أنه حد الترخص.
والحد ما ذكرنا، فإن وافقا فمرحبا بالوفاق، وإلا فيحمل على الاستحباب.
وربما قيدوا البيوت ببيوت آخر البلد الصغير والقرية، وآخر المحلة من البلد الكبير، وكذا أذان المسجد. ويحتمل إرادة أذان البيت أو آخر البلد.
وهل يعتبر ذلك في الرجوع من السفر أم لا؟