وبعد ملاحظة هذه الأخبار يتعين حمل ذلك على التقية، ويؤيده الاستصحاب والشك في الشرط.
فالأقوى الاجتناب من كل شئ مما لا يؤكل لحمه في الصلاة. وقد أشرنا إلى أن ما لا يؤكل لحمه المتبادر منه هو ما كان معدا للأكل.
فحينئذ التشكيك في بطلان الصلاة باستصحاب العسل أو الشمع أو ريق الانسان وشعره وغير ذلك لا وجه له، مع أنه يستلزم الحرج في الأغلب، مع أنه يمكن ادعاء ظهور الجواز من الأخبار، كالصلاة في ثوب الآخر، وعدم المنع من التصافح والتعانق، بل والأمر بها مع عدم انفكاك لصوق العرق واللعاب، إلى غير ذلك.
ثم إن الأصحاب استثنوا مما لا يؤكل لحمه شيئين:
الأول: الخز، واختلف الأصحاب في تعيينه، وكذا الأخبار.
ففي صحيحة عبد الرحمن: عن رجل سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن جلود الخز، فقال: ليس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداك إنها في بلادي، وإنما هو كلاب تخرج من الماء، قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا خرجت من الماء تعيش خارجه من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: لا بأس (1).
وفي رواية أخرى: ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك إنه ميت - إلى أن قال: - فتبسم أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال له: تقول: إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟
فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فإنك تقول:
دابة تمشي على أربع، وليس هو على حد الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال الرجل: إي والله هكذا أقول، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): فإن الله تبارك وتعالى أحله، وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان، وجعل ذكاتها موتها (2).