حيث قال بعده: لأن أكل الكلب من الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه غير معلم، والتعليم شرط في إباحة صيد الكلب بلا خلاف، وبدلالة قوله تعالى: «وما علمتم من الجوارح مكلبين» وإذا تتابع أكل الكلب من الصيد دل على أنه غير معلم، فلا يحل أكل صيده، ولأنه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكا على صاحبه، بل يكون ممسكا له على نفسه، وقول المخالف لنا أن الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلما ليس بشئ، لأن الأكل إذا شذ به وندر لم يخرج به عن أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به ومحسن له على سبيل الشذوذ من صياغة وكتابة وغيرهما، ولا يخرج عن كونه عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق (1) انتهى.
هذا، مع أن فيه جمعا بين الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الدالة على عدم البأس بأكل ما أكله الكلب (2) على الإطلاق والمعتبرة المستفيضة الدالة على النهي عنه (3) كذلك، بحمل الأولة على صورة الندرة، والثانية على صورة التساوي أو الغلبة. وربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة، لما فيها من التعليل بعدم الإمساك على المرسل، بل على نفسه.
ففي صحاحها: إذا أكل فلم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه (4).
وفي بعضها: إذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل فإنه أمسكه على نفسه (5).
فتدبر وتأمل.
خلافا للصدوقين وجماعة (6) فقالوا: إن عدم الأكل ليس بشرط،