على أن من قاعدة أصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين أنهم لا يجمعون بين الأخبار إلا مع التعارض، ومتى ضعف أحد الطرفين عن المعارضة أطرحوه أو حملوه على ما ينتظم به مع ذلك الطرف الراجح.
وحينئذ فالواجب بمقتضى هذه القاعدة، إما طرح هذه الرواية أو تأويلها بما يرجع به إلى تلك الأخبار.
والشيخ (رحمه الله) حملها تارة: على المتعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار الدلالة على الرخصة بذلك بالشرائط المقررة، وتارة: على ما إذا عضلها الأب، ولم يزوجها من كفو، وثالثا: على التقية ولعله الأقرب.
لا يقال: إن مذهب جمهور العامة استمرار الولاية على البالغة الرشيدة، وحينئذ فيمكن حمل أخبار القول باستقلال الأب على التقية فإن ذلك مذهب الشافعي ومالك وأحمد كما قدمنا ذكره وعلى هذا تبقى أخبار القول الثاني سالمة من المعارض.
لأنا نقول فيه أولا: أن مذهب الشافعي وأحمد عدم الفرق في استمرار الولاية بين البكر والثيب، ومذهب أبي حنيفة أنه بالبلوغ تستقل بالولاية بكرا كانت أو ثيبا، فالأول قائل باستمرار الولاية إلى ما بعد البلوغ مطلقا، والثاني ناف للاستمرار مطلقا.
وأنت قد عرفت من جملة الأخبار التي قدمناها في أدلة القول الأول، التفرقة بين البكر والثيب كصحيحة عبد الله بن الصلت (1) وصحيحة الحلبي (2) وموثقة الفضل بن عبد الملك (3)، ورواية إبراهيم بن ميمون (4)، ورواية عبيد بن زرارة (5)