وبالجملة فإنه لما صرحت تلك الأخبار المتقدمة باستقلال الأب على وجه لا يمكن دفعه وتأويله مع كثرتها وصحتها فالواجب تطبيق هذا الخبر عليها لضعفه عن المعارضة سندا وعددا ودلالة.
و (رابعها) ما رواه في الكافي عن أبي مريم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها، وقال: إذا كانت مالكة أمرها تزوجت من شاءت " وجه الاستدلال بها أن تحمل البكر في صدر الرواية على الصغيرة أو غير الرشيدة، والمالكة أمرها في عجز الرواية على البكر البالغة الرشيدة.
وفيه أن الأول تخصيص لعموم اللفظ من غير دليل، بل الدليل كما عرفت على خلافه واضح السبيل، والثاني مصادرة على المطلوب، فالأظهر في معنى الرواية إنما هو إبقاء صدرها على عمومه، وحمل " المالكة أمرها " على الثيب أو البكر التي لا أب لها بقرينة المقابلة بالبكر التي لها أب لما عرفت من النصوص على أنها لا تزوج إلا بإذن أبيها فهي بالدلالة على ما تدعيه من استقلال الأب أنسب، وإلى ما ذكرناه أقرب.
وكيف كان فإنه لا يتم الاستدلال بها مع هذا الاجمال، وقيام ما ذكرناه من الاحتمال الذي إن لم يكن هو الأظهر فلا أقل أن يكون مساويا، وبه يبطل الاستدلال.
و (خامسها) ما رواه الشيخ عن سعدان بن مسلم (2) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها ".
أقول: وهذه الرواية وإن كانت صريحة فيما يدعونه، وليس في أخبار هذا القول سواها، إلا أنها لضعف السند وقوة المعارض لها في الباب لا تبلغ قوة المعارضة فلا يترك لأجلها تلك الأخبار المتكاثرة الصحيحة.