أعطى الجائر كيسه لشخص وقال له: خذ منه دينارا، وكان الأخذ يعلم اجمالا باشتمال الكيس على دينار محرم، فإن اختياره دينارا خاصا إنما يعين متعلق إذن الجائر، فكأنه من الأول إنما أذن في التصرف في ذلك الدينار المعين، فيجري في هذا القسم جميع ما ذكرناه في القسم الأول.
ولكن التحقيق أنه لا فرق في تنجيز العلم الاجمالي بين القسم الثاني والثالث، والوجه في ذلك ما فصلناه في علم الأصول، ومجمله أن العلم الاجمالي بالتكليف الثابت بين الأطراف المعينة التي هي بأجمعها في معرض الابتلاء يقتضي الاجتناب عن الجميع.
وعليه فالترخيص في ارتكاب ما يختاره المكلف ترخيص في مخالفة الحكم المنجز من غير وجود مؤمن في البين، وأصالة عدم كون ما يختاره المجاز حراما معارضة بأصالة عدم كون الباقي حراما، واذن فيجب الاجتناب عن الجميع.
وبعبارة أخرى أن المناط في تنجيز العلم الاجمالي إنما هو تعارض الأصول في أطرافه، سواء أكان المكلف مع ذلك متمكنا من ارتكابها على نحو العموم الشمولي أو على نحو العموم البدلي، بأن لا يتمكن من ارتكاب المجموع، كما إذا قال المولى لعبده يحرم عليك السكنى في الدرا المعينة عند طلوع الفجر فاشتبه عليه متعلق التكليف بين دارين فإنه يجب عليه الاجتناب من كلتا الدارين مع أنه غير متمكن من السكنى فيهما معا عند طلوع الفجر، فإن عدم تمكن المكلف من ارتكاب مجموع الأطراف لا يمنع عن تنجيز العلم الاجمالي إذا تمكن من ارتكابها على البدل.