المشاعر الخاصة، وذلك بالإيحاء له بأن التكذيب ليس موجها إليه، بل موجه إلى الله من خلال ما يكذب به الظالمون من آيات الله؟
وهل إن مثل هذا الأسلوب يريح النبي محمدا (ص)؟ وإذا كان الأمر على هذا الشكل، فهل يمكننا أن نفهم أن انفعاله الشخصي يتجاوز انفعاله لله؟ وأخيرا، هل ينسجم مع شخصية النبي في ما نعرفه عن إخلاصه لرسالته لربه؟
هذه هي علامات الاستفهام التي قد ترتسم أمام القارئ لهذه الآيات عندما يواجه معانيها من خلال الفهم الحرفي لألفاظها.
ولكننا نفهم منها أسلوبا قرآنيا يتحدث عن تحليل الموقف الرسالي للرسول، ولكل الرساليين الذين يتبعون خطاه، في ما يمكن أن يخضع له البشر من نوازع ذاتية أمام التحديات، فهو يوحي بوجود شيء من هذا القبيل، كفرضية قابلة للحدوث، ولكن ليس من الضروري أن تكون قد حدثت بالفعل، لينتقل من خلال ذلك إلى الإيحاء بأن الموضوع لا يتحمل أية صدمة انفعالية صعبة، تثقل حركة الذات في الدعوة.
فإذا كانت صفة الرسالة هي التي تطبع شخصية الرسول فإن كل ردة فعل سلبية أو إيجابية ترتبط بتلك الشخصية يجب أن تكون بعيدة عن الذات والذاتيات.
وبهذا تكون القضية متعلقة بالله الذي لا يضيره شيء من تكذيبهم، وجحودهم كما لا ينفعه شيء من إيمانهم وتصديقهم، لأنه الغني عن ذلك كله، فلا مجال لأي انفعال لأن الذات لا علاقة لها بالموضوع، والرسالة المنزلة من الله لا تتأثر بذلك، إن الله فوق الانفعال، فماذا يبقى في الساحة؟
إن المسألة - بكل بساطة - هي أن يواجه الرسول الموقف بعقلية واقعية، وذهنية عملية مرنة، بعيدا عن كل الحالات الشعورية الذاتية، وبذلك تستمر القافلة الرسالية في سيرها الطبيعي، لتصل إلى أهدافها الكبيرة في نهاية المطاف.
وفي ضوء ذلك، تتحول هذه الآيات إلى خطة تربوية للعمل الرسالي، يواصل من خلالها ذاك العمل طريقه بكل موضوعية وهدوء، تماما كأي عمل يرتبط بمسؤوليته ولا يرتبط بذاته، حيث يتحرك الداعية على أساس المعطيات الواقعية، ومدى انسجامها مع خط المسؤولية في عمله، فيعيش التجرد من كل ما لا يرتبط بالعمل، مما يجعل للحركة فاعلية قوية، ويقود الموقف إلى خطوات الواقع.
وهكذا تخرج القضية من النطاق الشخصي، لتتصل بالنطاق العام للرسالة، وللرسول، فلا تعود شيئا شخصيا للنبي، بل تتحول إلى قاعدة عامة لكل الرسل، والرسالات، ومن هنا تتساقط كل علامات الاستفهام أمام شمولية القاعدة وثباتها.