وقفة حيرة فلسفية كلامية.. فكيف يمكن لهذا النبي العظيم أن يطلب مثل هذا الطلب المستحيل من ربه.. وهو يعرف من خلال سمو درجته، ورفعة منزلته في عالم المعرفة بالله.. أن الله ليس جسدا ماديا محسوسا لتمكن رؤيته.. فهو ليس كمثله شيء..
وأجاب بعضهم أن المراد بالنظر.. الرؤية القلبية التي هي كناية عن العلم الواسع بالحقيقة الإلهية.. وأجاب آخرون.. بأنه لم يسأل انطلاقا من قناعة بالسؤال، أو انسجام معه.. بل كان سؤاله استجابة لسؤال قومه الذين رافقوه إلى الموعد الإلهي.. فأراد أن يجعلهم وجها لوجه أمام الجواب الصاعق على هذا السؤال.. ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال.. فقد لا نجد من البعيد في مجال التصور والاحتمال أن لا يكون قد مر في خاطر موسى مثل هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية.. لأن الوحي لم يكن قد تنزل عليه بذلك.. ولم يكن هناك مجال للمزيد من التحاليل التأملية للجانب الفلسفي من المعادلات العقلية التي تتحدث عن استحالة تجسد الإله أو إمكانه.. لأن ذلك قد لا يكون مطروحا لدى موسى (ع).. ونحن نعرف، تماما، معنى التكامل التدريجي للتصور الإيماني في شخصية الرسول الفكرية.. ولهذا فإننا نحاول هنا أن نسجل تحفظنا على الكثير من الأحكام المسبقة التي تحاول تطويق النص القرآني ببعض الإستبعادات الذاتية.. كما في مثل هذه الآية.. فإننا نلاحظ أن تصورنا لشخصية الأنبياء، يبدأ من القرآن، فيما يحدثنا عنهم من أحاديث، ويسبغه عليهم من صفات فهو المصدر الأساس الأمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ونحن نرى أن الحديث القرآني يركز في بعض نقاطه على نقاط الضعف لدى الأنبياء كما يركز على نقاط القوة عندهم.. من موقع البشرية التي يريد القرآن أن يركزها في التصور القرآني في أكثر من اتجاه.. فهل نريد أن ندخل في مزايدة كلامية على القرآن، فيما يتعلق بمثل هذه الأمور.. فنفرض لأنفسنا تصورات معينة للأنبياء ثم نحاول تأويل كلام الله بطريقة لا يتقبلها النص في بعض الأحيان.. إننا نفهم التأويل حملا للفظ على خلاف الظاهر، على أساس المجاز أو الكناية أو ما يقترب منهما.. ولا بد للخروج من الظاهر أن يكون هناك دليل لفظي أو عقلي حتى نصرف اللفظ عن الظاهر من خلاله.. ولا نجد شيئا من هذين في موضوع هذه الآية، فليس هناك مانع من إرادة النظر بالمعنى الحسي فيما طلبه موسى بل هو الظاهر الواضح جدا في أجواء الآية من خلال التجربة التي قدمها الله أمامه، فيما تعطيه كلمة التجلي من أجواء استحالة الرؤية البصرية فيما وجهه الله للجبل من نوره الذي لا يستطيع الجبل أن يتماسك معه.. فكيف لو كان التجلي له - سبحانه -.. ثم لو كان المراد الرؤية القلبية لما كان هناك وجه قريب لهذه التجربة في انهيار الجبل، فيما تعطيه من معنى مادي للمسألة.. لأن الجبل لا يحمل أي جو للجانب